للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ أَبُو حَيَّانَ فِي الْبَحْرِ الْمُحِيطِ: وَمَثَلًا مَعْطُوفٌ عَلَى آيَاتٍ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى وَمَثَلًا مِنْ أَمْثَالِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، أَيْ: قِصَّةً غَرِيبَةً مِنْ قِصَصِهِمْ كَقِصَّةِ يُوسُفَ، وَمَرْيَمَ فِي بَرَاءَتِهِمَا.

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَمَثَلًا مِنْ أَمْثَالِ مَنْ قَبْلَكُمْ، أَيْ: قِصَّةً عَجِيبَةً مِنْ قِصَصِهِمْ كَقِصَّةِ يُوسُفَ، وَمَرْيَمَ يَعْنِي قِصَّةَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَمَا ذَكَرْنَا عَنْ أَبِي حَيَّانَ وَالزَّمَخْشَرِيِّ ذِكْرَهُ غَيْرُهُمَا.

وَإِيضَاحُهُ: أَنَّ الْمَعْنَى: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ مَثَلًا، أَيْ: قِصَّةً عَجِيبَةً غَرِيبَةً فِي هَذِهِ السُّورَةِ الْكَرِيمَةِ، وَتِلْكَ الْقِصَّةُ الْعَجِيبَةُ مِنْ أَمْثَالِ «الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ» ، أَيْ: مِنْ جِنْسِ قِصَصِهِمُ الْعَجِيبَةِ، وَعَلَى هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا فَالْمُرَادُ بِالْقِصَّةِ الْعَجِيبَةِ الَّتِي أَنْزَلَ إِلَيْنَا، وَعَبَّرَ عَنْهَا بِقَوْلِهِ: وَمَثَلًا هِيَ بَرَاءَةُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مِمَّا رَمَاهَا بِهِ أَهْلُ الْإِفْكِ، وَذَلِكَ مَذْكُورٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ [٢٤ \ ١١] إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ الْآيَةَ [٢٤ \ ٢٦] ، فَقَدْ بَيَّنَ فِي الْآيَاتِ الْعَشْرِ الْمُشَارِ إِلَيْهَا أَنَّ أَهْلَ الْإِفْكِ رَمَوْا عَائِشَةَ، وَأَنَّ اللَّهَ بَرَّأَهَا فِي كِتَابِهِ مِمَّا رَمَوْهَا بِهِ، وَعَلَى هَذَا:

فَمِنَ الْآيَاتِ الْمُبَيِّنَةِ لِبَعْضِ أَمْثَالِ مَنْ قَبْلَنَا قَوْلُهُ تَعَالَى فِي رَمْيِ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ يُوسُفَ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِهَا سُوءًا تَعْنِي الْفَاحِشَةَ قَالَتْ: مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [١٢ \ ٢٥] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ [١٢ \ ٣٥] ; لِأَنَّهُمْ سَجَنُوهُ بِضْعَ سِنِينَ، بِدَعْوَى أَنَّهُ كَانَ أَرَادَ الْفَاحِشَةَ مِنَ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ، وَقَدْ بَرَّأَهُ اللَّهُ مِنْ تِلْكَ الْفِرْيَةِ الَّتِي افْتُرِيَتْ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِ النِّسْوَةِ وَامْرَأَةِ الْعَزِيزِ نَفْسِهَا وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ [١٢ \ ٥٠ - ٥١] ، وَقَالَ تَعَالَى عَنِ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ فِي كَلَامِهَا مَعَ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ الْآيَةَ [١٢ \ ٣٢] .

فَقِصَّةُ يُوسُفَ هَذِهِ مَثَلٌ مِنْ أَمْثَالِ مَنْ قَبْلَنَا ; لِأَنَّهُ رَمَى بِإِرَادَةِ الْفَاحِشَةِ وَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>