للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مِنْ أَمْثَالِ مَنْ قَبْلَنَا فَهِيَ مَا يُبَيِّنُ بَعْضُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ.

وَالْآيَاتُ الَّتِي دَلَّتْ عَلَى قَذْفِ عَائِشَةَ وَبَرَاءَتِهَا بَيَّنَتِ الْمَثَلَ الَّذِي أُنْزِلُ إِلَيْنَا، وَكَوْنُهُ مِنْ نَوْعِ أَمْثَالِ مَنْ قَبْلَنَا وَاضِحٌ ; لِأَنَّ كُلًّا مِنْ عَائِشَةَ، وَمَرْيَمَ، وَيُوسُفَ رُمِيَ بِمَا لَا يَلِيقُ، وَكُلٌّ مِنْهُمْ بَرَّأَهُ اللَّهُ، وَقِصَّةُ كُلٍّ مِنْهُمْ عَجِيبَةٌ، وَلِذَا أُطْلِقَ عَلَيْهَا اسْمُ الْمَثَلِ فِي قَوْلِهِ: وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ.

قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَ «مَوْعِظَةً» مَا وُعِظَ بِهِ فِي الْآيَاتِ وَالْمَثَلِ مِنْ نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ [٢٤ \ ٢] ، لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ [٢٤ \ ١٢] ، وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ [٢٤ \ ١٦] ، يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا [٢٤ \ ١٧] ، اهـ كَلَامُ الزَّمَخْشَرِيِّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ وَجْهَ خُصُوصِ الْمَوْعِظَةِ بِالْمُتَّقِينَ دُونَ غَيْرِهِمْ أَنَّهُمْ هُمُ الْمُنْتَفِعُونَ بِهَا.

وَنَظِيرُهُ فِي الْقُرْآنِ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ [٣٥ \ ١٨] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا [٧٩ \ ٤٥] فَخَصَّ الْإِنْذَارَ بِمَنْ ذَكَرَ فِي الْآيَاتِ ; لِأَنَّهُمْ هُمُ الْمُنْتَفِعُونَ بِهِ مَعَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَقِيقَةِ مُنْذِرٌ لِجَمِيعِ النَّاسِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا [٢٥ \ ١] وَنَظِيرُهُ أَيْضًا قَوْلُهُ تَعَالَى: فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ [٥٠ \ ٤٥] وَنَحْوِهَا مِنَ الْآيَاتِ.

وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ قَرَأَهُ نَافِعٌ، وَابْنُ كَثِيرٍ، وَأَبُو عَمْرٍو، وَشُعْبَةُ بْنُ عَاصِمٍ: مُبَيَّنَاتٍ بِفَتْحِ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ الْمُشَدَّدَةِ بِصِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ، وَقَرَأَهُ ابْنُ عَامِرٍ، وَحَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ، وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ: مُبَيِّنَاتٍ بِكَسْرِ الْيَاءِ الْمُشَدَّدَةِ بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ: فَعَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ بِفَتْحِ الْيَاءِ فَلَا إِشْكَالَ فِي الْآيَةِ ; لِأَنَّ اللَّهَ بَيَّنَهَا، وَأَوْضَحَهَا، وَعَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ مُبَيِّنَاتٍ بِكَسْرِ الْيَاءِ بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ، فَفِي مَعْنَى الْآيَةِ وَجْهَانِ مَعْرُوفًا.

أَحَدُهُمَا: أَنَّ قَوْلَهُ: مُبَيِّنَاتٍ: اسْمُ فَاعِلِ بَيَّنَ الْمُتَعَدِّيَةِ وَعَلَيْهِ فَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ، أَيْ: مُبَيِّنَاتٍ الْأَحْكَامَ وَالْحُدُودَ.

وَالثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُ: مُبَيِّنَاتٍ: وَصْفٌ مِنْ «بَيَّنَ» اللَّازِمَةِ، وَهُوَ صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ، وَعَلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>