لَفْظِ الرِّجَالِ، وَإِنْ كَانَ بِالنَّظَرِ إِلَى مُجَرَّدِهِ اسْمَ جِنْسٍ جَامِدٍ وَهُوَ لَقَبٌ بِلَا نِزَاعٍ، فَإِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ مِنْ صِفَاتِ الذُّكُورَةِ مَا هُوَ مُنَاسِبٌ لِإِنَاطَةِ الْحُكْمِ بِهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النِّسَاءِ ; لِأَنَّ الرِّجَالَ لَا تُخْشَى مِنْهُمُ الْفِتْنَةُ، وَلَيْسُوا بِعَوْرَةٍ بِخِلَافِ النِّسَاءِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ وَصْفَ الذُّكُورَةِ وَصْفٌ صَالِحٌ لِإِنَاطَةِ الْحُكْمِ بِهِ الَّذِي هُوَ التَّسْبِيحُ فِي الْمَسَاجِدِ، وَالْخُرُوجُ إِلَيْهَا دُونَ وَصْفِ الْأُنُوثَةِ.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّ لَفْظَ الرِّجَالِ فِي الْآيَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي الِاصْطِلَاحِ لَقَبًا فَإِنَّمَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ مِنْ أَوْصَافِ الذُّكُورَةِ الْمُنَاسِبَةِ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ، يَقْتَضِي اعْتِبَارَ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ فِي لَفْظِ رِجَالٍ، فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ مَفْهُومُ صِفَةٍ لَا مَفْهُومَ لَقَبٍ ; لِأَنَّ لَفْظَ الرِّجَالِ مُسْتَلْزِمٌ لِأَوْصَافٍ صَالِحَةٍ لِإِنَاطَةِ الْحُكْمِ بِهِ، وَالْفَرْقُ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ كَمَا لَا يَخْفَى.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: إِذَا عَلِمْتَ أَنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ مَفْهُومَ قَوْلِهِ: رِجَالٌ، مَفْهُومُ صِفَةٍ بِاعْتِبَارِ مَا يَسْتَلْزِمُهُ مِنْ صِفَاتِ الذُّكُورَةِ الْمُنَاسِبَةِ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ، فِي حُكْمِ الْخُرُوجِ إِلَى الْمَسَاجِدِ لَا مَفْهُومُ لَقَبٍ، وَأَنَّ مَفْهُومَ الصِّفَةِ مُعْتَبَرٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ.
فَاعْلَمْ أَنَّ مَفْهُومَ قَوْلِهِ هُنَا: رِجَالٌ فِيهِ إِجْمَالٌ ; لِأَنَّ غَايَةَ مَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ النِّسَاءَ لَسْنَ كَالرِّجَالِ فِي الْخُرُوجِ لِلْمَسَاجِدِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي تَرْجَمَةِ هَذَا الْكِتَابِ الْمُبَارَكِ أَنَّ الْبَيَانَ الْقُرْآنِيَّ إِذَا كَانَ غَيْرَ وَافٍ بِالْمَقْصُودِ مِنْ تَمَامِ الْبَيَانِ، فَإِنَّا نُتَمِّمُ الْبَيَانَ مِنَ السُّنَّةِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا تَفْسِيرٌ لِلْمُبَيِّنِ بِاسْمِ الْفَاعِلِ، وَتَقَدَّمَتْ أَمْثِلَةٌ لِذَلِكَ.
وَإِذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ فَاعْلَمْ أَنَّ السُّنَّةَ النَّبَوِيَّةَ بَيَّنَتْ مَفْهُومَ الْمُخَالَفَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: رِجَالٌ، فَبَيَّنَتْ أَنَّ الْمَفْهُومَ الْمَذْكُورَ مُعْتَبَرٌ، وَأَنَّ النِّسَاءَ لَسْنَ كَالرِّجَالِ فِي حُكْمِ الْخُرُوجِ إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَأَوْضَحَتْ أَنَّ صَلَاتَهُنَّ فِي بُيُوتِهِنَّ أَفْضَلُ لَهُنَّ مِنَ الْخُرُوجِ إِلَى الْمَسَاجِدِ وَالصَّلَاةِ فِيهَا فِي الْجَمَاعَةِ، بِخِلَافِ الرِّجَالِ، وَبَيَّنَتْ أَيْضًا أَنَّهُنَّ يَجُوزُ لَهُنَّ الْخُرُوجُ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِشُرُوطٍ سَيَأْتِي إِيضَاحُهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَنَّهُنَّ إِذَا اسْتَأْذَنَّ أَزْوَاجَهُنَّ فِي الْخُرُوجِ إِلَى الْمَسَاجِدِ فَهُمْ مَأْمُورُونَ شَرْعًا بِالْإِذْنِ لَهُنَّ فِي ذَلِكَ مَعَ الْتِزَامِ الشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ.
أَمَّا أَمْرُ أَزْوَاجِهِنَّ بِالْإِذْنِ لَهُنَّ فِي الْخُرُوجِ إِلَى الْمَسَاجِدِ إِذَا طَلَبْنَ ذَلِكَ فَقَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قَالَ الْبُخَارِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي صَحِيحِهِ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " إِذَا اسْتَأْذَنَتِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute