عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ ": لَا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمُ الْمَسَاجِدَ إِذَا اسْتَأْذَنَّكُمْ إِلَيْهَا " فَقَالَ بِلَالُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: وَاللَّهِ لَنَمْنَعْهُنَّ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ فَسَبَّهُ سَبًّا سَيِّئًا مَا سَمِعْتُهُ سَبَّهَ مِثْلَهُ قَطُّ، وَقَالَ: أُخْبِرُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَقُولُ: وَاللَّهِ لَنَمْنَعْهُنَّ، وَفِي لَفْظٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ: فَزَبَرَهُ ابْنُ عُمَرَ، وَقَالَ: أَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَقُولُ: لَا نَدَعُهُنَّ، وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ أَيْضًا: فَضَرَبَ فِي صَدْرِهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ ابْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الَّذِي زَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يَمْتَثِلْ أَمْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْإِذْنِ لِلنِّسَاءِ إِلَى الْمَسَاجِدِ جَاءَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ بِلَالُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ.
وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ: أَنَّهُ وَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَالْحَقُّ تَعَدُّدُ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَهُ كُلٌّ مِنْ بِلَالٍ، وَوَاقِدٍ ابْنَيْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَقَدْ أَنْكَرَ ابْنُ عُمَرَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا، كَمَا جَاءَتْ بِهِ الرِّوَايَاتُ الصَّحِيحَةُ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ، فَكَوْنُ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَقْبَلَ عَلَى ابْنِهِ بِلَالٍ وَسَبَّهُ سَبًّا سَيِّئًا وَقَالَ مُنْكِرًا عَلَيْهِ، أُخْبِرُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَقُولُ: لَنَمْنَعْهُنَّ فِيهِ دَلِيلٌ وَاضِحٌ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ يَرَى لُزُومَ الْإِذْنِ لَهُنَّ، وَأَنَّ مَنْعَهُنَّ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ كَانَ يَرَاهُ جَائِزًا مَا شَدَّدَ النَّكِيرَ عَلَى ابْنَيْهِ كَمَا لَا يَخْفَى.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: قَوْلُهُ: فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ فَسَبَّهُ سَبًّا سَيِّئًا، وَفِي رِوَايَةٍ فَزَبَرَهُ، وَفِي رِوَايَةٍ: فَضَرَبَ فِي صَدْرِهِ، فِيهِ تَعْزِيرُ الْمُعْتَرِضِ عَلَى السُّنَّةِ وَالْمَعَارِضِ لَهَا بِرَأْيِهِ.
قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ -: وَكَلَامُ النَّوَوِيِّ هَذَا الَّذِي رَأَيْتَ اعْتِرَافٌ مِنْهُ بِأَنَّ مَذْهَبَهُ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ، كَمَا نُقِلَ عَنِ الْبَيْهَقِيِّ أَنَّهُ قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، أَنَّ جَمِيعَ الْقَائِلِينَ بِذَلِكَ مُسْتَحِقُّونَ لِلتَّعْزِيرِ، مُعْتَرِضُونَ عَلَى السُّنَّةِ، مُعَارِضُونَ لَهَا بِرَأْيِهِمْ، وَالْعَجَبُ مِنْهُ كَيْفَ يُقِرُّ بِأَنَّ بِلَالَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مُسْتَحِقٌّ لِلتَّعْزِيرِ لِاعْتِرَاضِهِ عَلَى السُّنَّةِ، وَمُعَارَضَتِهِ لَهَا بِرَأْيِهِ، مَعَ أَنَّ مَذْهَبَهُ الَّذِي يَنْصُرُهُ وَيَنْقُلُ أَنَّهُ قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ عَنِ الْبَيْهَقِيِّ هُوَ بِعَيْنِهِ قَوْلُ بِلَالِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الَّذِي صَرَّحَ هُوَ بِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ بِهِ التَّعْزِيرَ، وَأَنَّهُ اعْتِرَاضٌ عَلَى السُّنَّةِ وَمُعَارَضَةٌ لَهَا بِالرَّأْيِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: قَوْلُهُ: فَزَبَرَهُ، أَيْ: نَهَرَهُ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي: فَفِي رِوَايَةِ بِلَالٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ فَسَبَّهُ سَبًّا شَدِيدًا مَا سَمِعْتُهُ سَبَّهُ مِثْلَهُ قَطُّ، وَفَسَّرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هُبَيْرَةَ فِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ السَّبَّ الْمَذْكُورَ بِاللَّعْنِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَفِي رِوَايَةٍ زَائِدَةٍ عَنِ الْأَعْمَشِ: فَانْتَهَرَهُ وَقَالَ: أُفٍّ لَكَ، وَلَهُ عَنِ ابْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute