للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْآيَةَ [٦ \ ١١١] وَقَالَ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ الْآيَةَ [١٠ \ ٩٦ - ٩٧] . إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ.

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي تَفْسِيرِ آيَةِ الْفُرْقَانِ هَذِهِ: يَأْكُلُ الطَّعَامَ كَمَا نَأْكُلُ، وَيَتَرَدَّدُ فِي الْأَسْوَاقِ كَمَا نَتَرَدَّدُ. يَعْنُونَ أَنَّهُ كَانَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَلَكًا مُسْتَغْنِيًا عَنِ الْأَكْلِ وَالتَّعَيُّشِ، ثُمَّ نَزَلُوا عَنِ اقْتِرَاحِهِمْ أَنْ يَكُونَ مَلَكًا إِلَى اقْتِرَاحِ أَنْ يَكُونَ إنسانًا مَعَهُ مَلَكٌ، حَتَّى يَتَسَاعَدَا فِي الْإِنْذَارِ وَالتَّخْوِيفِ، ثُمَّ نَزَلُوا أَيْضًا فَقَالُوا: إِنْ لَمْ يَكُنْ مَرْفُودًا بِذَلِكَ، فَلْيُكَنْ مَرْفُودًا بِكَنْزٍ يُلْقَى إِلَيْهِ مِنَ السَّمَاءِ يَسْتَظْهِرُ بِهِ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى تَحْصِيلِ الْمَعَاشِ، ثُمَّ نَزَلُوا فَاقْتَنَعُوا بِأَنْ يَكُونَ لَهُ بُسْتَانٌ يَأْكُلُ مِنْهُ، وَيَرْتَزِقُ كَالدَّهَاقِينِ أَوْ يَأْكُلُونَ هُمْ مِنْ ذَلِكَ الْبُسْتَانِ، فَيَنْتَفِعُونَ بِهِ فِي دُنْيَاهُمْ وَمَعَاشِهِمْ. انْتَهَى مِنْهُ، وَكُلُّ تِلْكَ الِاقْتِرَاحَاتِ لِشِدَّةِ تَعَنُّتِهِمْ وَعِنَادِهِمْ. وَقَرَأَ هَذَا الْحَرْفَ عَامَّةُ السَّبْعَةِ غَيْرَ حَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ (يَأْكُلُ مِنْهَا) بِالْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ، وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ: (جَنَّةٌ نَأْكُلُ مِنْهَا) بِالنُّونِ، وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ هِيَ مُرَادُ الزَّمَخْشَرِيِّ بِقَوْلِهِ: أَوْ يَأْكُلُونَ هُمْ مِنْ ذَلِكَ الْبُسْتَانِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا.

ذَكَرَ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّ الظَّالِمِينَ وَهُمُ الْكُفَّارُ قَالُوا لِلَّذِينِ اتَّبَعُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا يَعْنُونَ أَنَّهُ أَثَّرَ فِيهِ السِّحْرُ فَاخْتَلَطَ عَقْلُهُ فَالْتَبَسَ عَلَيْهِ أَمْرُهُ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مَسْحُورًا: أَيْ مَخْدُوعًا كَقَوْلِهِ: فَأَنَّى تُسْحَرُونَ: أَيْ مِنْ أَيْنَ تُخْدَعُونَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَسْحُورًا: أَيْ لَهُ سِحْرٌ، أَيْ رِئَةٌ فَهُوَ لَا يَسْتَغْنِي عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، فَهُوَ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ، وَلَيْسَ بِمَلَكٍ، وَقَدْ قَدَّمْنَا كَلَامَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي قَوْلِهِ: مَسْحُورًا بِشَوَاهِدِهِ الْعَرَبِيَّةِ فِي سُورَةِ طَهَ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى [٢٠ \ ٦٩] وَلَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ هَذَا الَّذِي قَالَهُ الْكُفَّارُ فِي نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، مِنَ الْإِفْكِ وَالْبُهْتَانِ خَاطَبَ نَبِيَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ: انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعْونَ سَبِيلًا، وَمَا قَالَهُ الْكُفَّارُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَعْنِي قَوْلَهُمْ: إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا وَمَا قَالَهُ الْكُفَّارُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَعْنِي قَوْلَهُ: انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ الْآيَةَ. جَاءَ كُلُّهُ مُصَرَّحًا بِهِ فِي سُورَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:

<<  <  ج: ص:  >  >>