٢٠] وَمَعْنَى مُؤْصَدَةٌ فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِهَمْزٍ، وَبِغَيْرِ هَمْزٍ: مُطْبَقَةٌ أَبْوَابُهَا، مُغَلَّقَةٌ عَلَيْهِمْ كَمَا أَوْضَحْنَاهُ بِشَوَاهِدِهِ الْعَرَبِيَّةِ فِي سُورَةِ الْكَهْفِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ [١٨ \ ١٨] وَمَنْ كَانَ فِي مَكَانٍ مُطْبَقٍ مُغَلَّقٍ عَلَيْهِ، فَهُوَ فِي مَكَانٍ ضَيِّقٍ، وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ، وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ الْوَاحِدَ مِنْهُمْ يُجْعَلُ فِي مَحَلِّهِ مِنَ النَّارِ بِشِدَّةٍ كَمَا يُدَقُّ الْوَتَدُ فِي الْحَائِطِ، وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ جَهَنَّمَ تَضِيقُ عَلَى الْكَافِرِ كَتَضْيِيقِ الزُّجِّ عَلَى الرُّمْحِ. وَالزُّجُّ بِالضَّمِّ: الْحَدِيدَةُ الَّتِي فِي أَسْفَلِ الرُّمْحِ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: مُقَرَّنِينَ: أَيْ فِي الْأَصْفَادِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ إِبْرَاهِيمَ: وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ [١٤ \ ٤٩] وَالْأَصْفَادُ: الْقُيُودُ. وَالْأَظْهَرُ أَنَّ مَعْنَى مُقَرَّنِينَ: أَنَّ الْكُفَّارَ يُقْرَنُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ فِي الْأَصْفَادِ وَالسَّلَاسِلِ، وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: كُلُّ كَافِرٍ يُقْرَنُ هُوَ وَشَيْطَانُهُ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَالَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ [٤٣ \ ٣٨] .
وَهَذَا أَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ: مُقَرَّنِينَ مُكَتَّفِينَ، وَمِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ: مُقَرَّنِينَ: أَيْ قُرِنَتْ أَيْدِيهِمْ إِلَى أَعْنَاقِهِمْ فِي الْأَغْلَالِ، وَالثُّبُورُ: الْهَلَاكُ وَالْوَيْلُ وَالْخُسْرَانُ.
وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الثُّبُورَ يَجْمَعُ الْخَسَارَ وَالْهَلَاكَ وَالْوَيْلَ وَالدَّمَارَ. كَمَا قَالَ مُوسَى لِفِرْعَوْنَ: وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَافِرْعَوْنُ مَثْبُورًا [١٧ \ ١٠٢] أَيْ هَالِكًا، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزِّبَعْرَى السَّهْمِيُّ:
إِذَا جَارَى الشَّيْطَانَ فِي سُنَنِ الْغَسَـ ... ـى وَمَنْ مَالَ مَيْلَهُ مَثْبُورُ
اهـ.
وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ فِي صِحَاحِهِ: وَالثُّبُورُ الْهَلَاكُ وَالْخُسْرَانُ أَيْضًا، قَالَ الْكُمَيْتُ:
وَرَأَتْ قُضَاعَةُ فِي الْأَيَا ... مِنِ رَأْيَ مَثْبُورٍ وَثَابِرِ
أَيْ مَخْسُورٍ وَخَاسِرٍ يَعْنِي فِي انْتِسَابِهَا لِلْيَمَنِ. اهـ مِنْهُ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا مَعْنَى دُعَائِهِمُ الثُّبُورَ هُوَ قَوْلُهُمْ: وَاثُبُورَاهُ، يَعْنُونَ: يَا وَيْلَ، وَيَا هَلَاكَ، تَعَالَ، فَهَذَا حِينُكَ وَزَمَانُكَ.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَمَعْنَى وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا أَنَّكُمْ وَقَعْتُمْ فِيمَا لَيْسَ ثُبُورُكُمْ فِيهِ وَاحِدًا، إِنَّمَا هُوَ ثُبُورٌ كَثِيرٌ، إِمَّا لِأَنَّ الْعَذَابَ أَنْوَاعٌ وَأَلْوَانٌ، كُلُّ نَوْعٍ مِنْهَا ثُبُورٌ، لِشِدَّتِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute