اسْتَنْبَطَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّ حِسَابَ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَسِيرٌ، وَأَنَّهُ يَنْتَهِي فِي نِصْفِ نَهَارٍ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ: مَقِيلًا: أَيْ مَكَانَ قَيْلُولَةٍ وَهِيَ الِاسْتِرَاحَةُ فِي نِصْفِ النَّهَارِ، قَالُوا: وَهَذَا الَّذِي فُهِمَ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، جَاءَ بَيَانُهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا [٨٤ \ ٧ - ٩] .
وَيُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا الْآيَةَ، أَنَّ أَصْحَابَ النَّارِ لَيْسُوا كَذَلِكَ وَأَنَّ حِسَابَهُمْ غَيْرُ يَسِيرٍ.
وَهَذَا الْمَفْهُومُ دَلَّتْ عَلَيْهِ آيَاتٌ أُخَرُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى قَرِيبًا مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ: الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا [٢٥ \ ٢٦] فَقَوْلُهُ: (عَلَى الْكَافِرِينَ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ عَسِيرٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ الْآيَةَ [٢١ \ ١٠٣] . وَقَوْلُهُ تَعَالَى: مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِي يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ [٥٤ \ ٨] وَإِذَا عَلِمْتَ مِمَّا ذَكَرْنَا مَا جَاءَ مِنَ الْآيَاتِ فِيهِ بَيَانٌ لِقَوْلِهِ: أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا، فَهَذِهِ أَقْوَالُ بَعْضِ الْمُفَسِّرِينَ فِي الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَا فِي الْآيَةِ.
قَالَ صَاحِبُ الدُّرِّ الْمَنْثُورِ: وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا قَالَ فِي الْغُرَفِ مِنَ الْجَنَّةِ، وَكَانَ حِسَابُهُمْ أَنْ عُرِضُوا عَلَى رَبِّهِمْ عَرْضَةً وَاحِدَةً، وَذَلِكَ الْحِسَابُ الْيَسِيرُ، وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِهِ: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا [٨٤ \ ٧ - ٩] وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُبَارَكِ فِي الزُّهْدِ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْحَاكِمُ، وَصَحَّحَهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ. قَالَ: لَا يَنْتَصِفُ النَّهَارُ مِنْ يَوْمِ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَقِيلَ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ ثُمَّ قَرَأَ: أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا وَقَرَأَ: ثُمَّ إِنَّ مَقِيلَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّمَا هِيَ ضَحْوَةٌ. فَيَقِيلُ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ عَلَى الْأَسِرَّةِ مَعَ الْحُورِ الْعِينِ، وَيَقِيلُ أَعْدَاءُ اللَّهِ مَعَ الشَّيَاطِينِ مُقَرَّنِينَ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute