للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

دَلَالَةِ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ عَلَى أَنَّ التَّرْكَ فِعْلٌ فِي غَايَةِ الْوُضُوحِ كَمَا تَرَى.

وَأَمَّا الْآيَةُ الثَّانِيَةُ، فَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [٥ \ ٧٩] فَقَدْ سَمَّى جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ تَرْكَهُمُ التَّنَاهِيَ عَنِ الْمُنْكَرِ فِعْلًا، وَأَنْشَأَ لَهُ الذَّمَّ بِلَفْظَةِ بِئْسَ الَّتِي هِيَ فِعْلٌ جَامِدٌ لِإِنْشَاءِ الذَّمِّ فِي قَوْلِهِ: لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [٥ \ ٩٧] أَيْ: وَهُوَ تَرْكُهُمُ التَّنَاهِيَ، عَنْ كُلِّ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ، وَصَرَاحَةُ دَلَالَةِ هَذِهِ الْآيَةِ أَيْضًا عَلَى مَا ذُكِرَ وَاضِحَةٌ، كَمَا تَرَى.

وَقَدْ دَلَّتْ أَحَادِيثُ نَبَوِيَّةٌ عَلَى ذَلِكَ ; كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ» ، فَقَدْ سَمَّى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذَا الْحَدِيثِ تَرْكَ أَذَى الْمُسْلِمِينَ إِسْلَامًا، وَمِمَّا يَدُلُّ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ عَلَى أَنَّ التَّرْكَ فِعْلٌ قَوْلُ بَعْضِ الصَّحَابَةِ فِي وَقْتِ بِنَائِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَسْجِدِهِ بِالْمَدِينَةِ:

لَئِنْ قَعَدْنَا وَالنَّبِيُّ يَعْمَلُ ... لَذَاكَ مِنَّا الْعَمَلُ الْمُضَلِّلُ

فَسَمَّى قُعُودَهُمْ عَنِ الْعَمَلِ، وَتَرْكَهُمْ لَهُ عَمَلًا مُضَلِّلًا، وَقَدْ أَشَارَ صَاحِبُ «مَرَاقِي السُّعُودِ» ، إِلَى أَنَّ الْكَفَّ فِعْلٌ عَلَى الْمَذْهَبِ، أَيْ: وَهُوَ الْحَقُّ. وَبَيَّنَ فُرُوعًا مَبْنِيَّةً عَلَى ذَلِكَ نَظَمَهَا الشَّيْخُ الزَّقَّاقُ فِي نَظْمِهِ الْمُسَمَّى بِالْمَنْهَجِ الْمُنْتَخَبِ، وَأَوْرَدَ أَبْيَاتَ الزَّقَّاقِ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ: وَجَلَبْتُهَا هُنَا عَلَى سَبِيلِ التَّضْمِينِ، وَهَذَا النَّوْعُ يُسَمَّى اسْتِعَانَةً، وَهُوَ تَضْمِينُ بَيْتٍ فَأَكْثَرَ بِقَوْلِهِ:

فَكَفُّنَا بِالنَّهْيِ مَطْلُوبُ النَّبِي ... وَالْكَفُّ فِعْلٌ فِي صَحِيحِ الْمَذْهَبِ

لَهُ فُرُوعٌ ذُكِرَتْ فِي الْمَنْهَجِ ... وَسَرْدُهَا مِنْ بَعْدِ ذَا الْبَيْتِ يَجِي

مِنْ شُرْبٍ أَوْ خَيْطٍ ذَكَاةُ فَضْلِ مَا ... وَعَمَدٍ رَسْمِ شَهَادَةٍ وَمَا

عَطَّلَ نَاظِرٌ وَذُو الرَّهْنِ كَذَا ... مُفَرِّطٌ فِي الْعَلْفِ فَادْرِ الْمَأْخَذَا

وِكَالَّتِي رُدَّتْ بِعَيْبٍ وَعَدَمْ ... وَلِيِّهَا وَشِبْهِهَا مِمَّا عُلِمْ

فَالْأَبْيَاتُ الثَّلَاثَةُ الْأَخِيرَةُ مِنْ نَظْمِ الشَّيْخِ الزَّقَّاقِ الْمُسَمَّى بِالْمَنْهَجِ الْمُنْتَخَبِ، وَفِيهَا بَعْضُ الْفُرُوعِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْكَفِّ، هَلْ هُوَ فِعْلٌ، وَهُوَ الْحَقُّ أَوْ لَا؟ وَقَوْلُ الزَّقَّاقِ فِي الْأَوَّلِ مِنْ أَبْيَاتِهِ مِنْ شُرْبٍ مُتَعَلِّقٍ بِقَوْلِهِ قَبْلَهُ:

وَهَلْ كَمَنْ فَعَلَ تَارِكٌ كَمَنْ ... لَهُ بِنَفْعِ قُدْرَةٍ لَكِنْ كَمَنْ

مِنْ شُرْبٍ. . إِلَخْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>