للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْآيَةَ [٨ \ ٣٦] فَمَعْرِفَةُ حُكْمِ اللَّهِ فِي اكْتِسَابِ الْمَالِ وَفِي صَرْفِهِ فِي مَصَارِفِهِ أَمْرٌ ضَرُورِيٌّ لَا بُدَّ مِنْهُ، لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ قَدْ يَكْتَسِبُ الْمَالَ مِنْ وَجْهٍ حَرَامٍ، وَالْمَالُ الْمُكْتَسَبُ مِنْ وَجْهٍ حَرَامٍ، لَا خَيْرَ فِيهِ الْبَتَّةَ، وَقَدْ يُصْرَفُ الْمَالُ فِي وَجْهٍ حَرَامٍ، وَصَرْفُهُ فِي ذَلِكَ حَسْرَةٌ عَلَى صَاحِبِهِ.

الْأَمْرُ الثَّانِي: هُوَ مَعْرِفَةُ الطَّرِيقِ الْكَفِيلَةِ بِاكْتِسَابِ الْمَالِ، فَقَدْ يَعْلَمُ الْإِنْسَانُ مثلًا أَنَّ التِّجَارَةَ فِي النَّوْعِ الْفُلَانِيِّ مُبَاحَةٌ شَرْعًا، وَلَكِنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَوْجُهَ التَّصَرُّفِ بِالْمَصْلَحَةِ الْكَفِيلَةِ بِتَحْصِيلِ الْمَالِ مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ، وَكَمْ مِنْ مُتَصَرِّفٍ يُرِيدُ الرِّبْحَ، فَيَعُودُ عَلَيْهِ تَصَرُّفُهُ بِالْخُسْرَانِ، لِعَدَمِ مَعْرِفَتِهِ بِالْأَوْجُهِ الَّتِي يُحَصِّلُ بِهَا الرِّبْحَ. وَكَذَلِكَ قَدْ يَعْلَمُ الْإِنْسَانُ أَنَّ الصَّرْفَ فِي الشَّيْءِ الْفُلَانِيِّ مُبَاحٌ، وَفِيهِ مَصْلَحَةٌ، وَلَكِنَّهُ لَا يَهْتَدِي إِلَى مَعْرِفَةِ الصَّرْفِ الْمَذْكُورِ، كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ فِي الْمَشَارِيعِ الْكَثِيرَةِ النَّفْعِ إِنْ صَرَفَ فِيهَا الْمَالَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَصْلَحَةِ، فَإِنَّ جَوَازَ الصَّرْفِ فِيهَا مَعْلُومٌ، وَإِيقَاعُ الصَّرْفِ عَلَى وَجْهِ الْمَصْلَحَةِ لَا يَعْلَمُهُ كُلُّ النَّاسِ.

وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ أُصُولَ الِاقْتِصَادِ الْكِبَارَ أَرْبَعَةٌ: الْأَوَّلُ: مَعْرِفَةُ حُكْمِ اللَّهِ فِي الْوَجْهِ الَّذِي يُكْتَسَبُ بِهِ الْمَالُ، وَاجْتِنَابُ الِاكْتِسَابِ بِهِ، إِنْ كَانَ مُحَرَّمًا شَرْعًا.

الثَّانِي: حُسْنُ النَّظَرِ فِي اكْتِسَابِ الْمَالِ بَعْدَ مَعْرِفَةِ مَا يُبِيحُهُ خَالِقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَمَا لَا يُبِيحُهُ.

الثَّالِثُ: مَعْرِفَةُ حُكْمِ اللَّهِ فِي الْأَوْجُهِ الَّتِي يُصْرَفُ فِيهَا الْمَالُ، وَاجْتِنَابُ الْمُحَرَّمِ مِنْهَا.

الرَّابِعُ: حُسْنُ النَّظَرِ فِي أَوْجُهِ الصَّرْفِ، وَاجْتِنَابُ مَا لَا يُفِيدُ مِنْهَا، فَكُلُّ مَنْ بَنَى اقْتِصَادَهُ عَلَى هَذِهِ الْأُسُسِ الْأَرْبَعَةِ كَانَ اقْتِصَادُهُ كَفِيلًا بِمَصْلَحَتِهِ، وَكَانَ مُرْضِيًّا لِلَّهِ جَلَّ وَعَلَا، وَمَنْ أَخَلَّ بِوَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأُسُسِ الْأَرْبَعَةِ كَانَ بِخِلَافِ ذَلِكَ ; لِأَنَّ مَنْ جَمَعَ الْمَالَ بِالطُّرُقِ الَّتِي لَا يُبِيحُهَا اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا فَلَا خَيْرَ فِي مَالِهِ، وَلَا بَرَكَةَ ; كَمَا قَالَ تَعَالَى: يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ [٢ \ ٢٧٦] وَقَالَ تَعَالَى: قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ الْآيَةَ [٥ \ ١٠٠] .

وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى مَسَائِلِ الرِّبَا فِي آيَةِ الرِّبَا فِي سُورَةِ «الْبَقَرَةِ» ، وَتَكَلَّمْنَا عَلَى أَنْوَاعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>