للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِهَا، وَهُمْ فِي إِكْبَابِهِمْ عَلَيْهَا سَامِعُونَ بِآذَانٍ وَاعِيَةٍ مُبْصِرُونَ بِعُيُونٍ رَاعِيَةٍ، انْتَهَى مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْهُ.

وَلَا يَخْفَى أَنَّ لِهَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ دَلَالَتَيْنِ: دَلَالَةٌ بِالْمَنْطُوقِ، وَدَلَالَةٌ بِالْمَفْهُومِ، فَقَدْ دَلَّتْ بِمَنْطُوقِهَا عَلَى أَنَّ مِنْ صِفَاتِ عِبَادِ الرَّحِمَنِ، أَنَّهُمْ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا، لَمْ يَكِبُّوا عَلَيْهَا فِي حَالِ كَوْنِهِمْ صُمًّا عَنْ سَمَاعِ مَا فِيهَا مِنَ الْحَقِّ، وَعُمْيَانًا عَنْ إِبْصَارِهِ، بَلْ هُمْ يَكُبُّونَ عَلَيْهَا سَامِعِينَ مَا فِيهَا مِنَ الْحَقِّ مُبْصِرِينَ لَهُ.

وَهَذَا الْمَعْنَى دَلَّتْ عَلَيْهِ آيَاتٌ أُخَرُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا الْآيَةَ [٨ \ ٢] وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ تُلِيَتْ عَلَيْهِ آيَاتُ هَذَا الْقُرْآنِ، فَزَادَتْهُ إِيمَانًا أَنَّهُ لَمْ يَخِرَّ عَلَيْهَا أَصَمَّ أَعْمَى ; وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ [٩ \ ١٢٤] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [٣٩ \ ٢٣] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

وَقَدْ دَلَّتِ الْآيَةُ الْمَذْكُورَةُ أَيْضًا بِمَفْهُومِهَا أَنَّ الْكَفَرَةَ الْمُخَالِفِينَ، لِعِبَادِ الرَّحِمَنِ الْمَوْصُوفِينَ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ: إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ خَرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا، أَيْ: لَا يَسْمَعُونَ مَا فِيهَا مِنَ الْحَقِّ، وَلَا يُبْصِرُونَهُ، حَتَّى كَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوهَا أَصْلًا.

وَهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ بِمَفْهُومِهَا، جَاءَ مُوَضَّحًا فِي آيَاتٍ أُخَرَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ «لُقْمَانَ» : وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [٣١ \ ٧] وَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي «الْجَاثِيَةِ» : وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ [٤٥ \ ٧ - ٩] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ الْآيَةَ [٩ \ ١٢٤ - ١٢٥] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

وَالظَّاهِرُ: أَنَّ مَعْنَى خُرُورِ الْكُفَّارِ عَلَى الْآيَاتِ، فِي حَالِ كَوْنِهِمْ صُمًّا وَعُمْيَانًا، هُوَ إِكْبَابُهُمْ عَلَى إِنْكَارِهَا وَالتَّكْذِيبِ بِهَا، خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي «الْكَشَّافِ» ، وَالصُّمُّ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>