للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [٦٧ \ ٢] .

فَهَذِهِ الْآيَاتُ قَدْ أَوْضَحَتْ أَنَّ الْحِكْمَةَ فِي خَلْقِهِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَجَمِيعَ مَا عَلَى الْأَرْضِ، وَالْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ، هِيَ أَنْ يَدْعُوَهُمْ عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِهِ وَيَبْتَلِيَهُمْ، أَيْ: أَنْ يَخْتَبِرَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا.

وَهَذِهِ الْآيَاتُ تُبَيِّنُ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [٥١ \ ٥٦] .

وَفِي هَذِهِ الْآيَاتِ إِيضَاحٌ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ، أَيْ: دُعَاؤُهُ إِيَّاكُمْ عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِهِ، وَابْتِلَاؤُكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا، وَعَلَى هَذَا فَلَا إِشْكَالَ فِي قَوْلِهِ: فَقَدْ كَذَّبْتُمْ، أَيْ: (مَا يَعْبَأُ بِكُمْ لَوْلَا) دُعَاؤُهُ إِيَّاكُمْ، أَيْ: وَقَدْ دَعَاكُمْ فَكَذَّبْتُمْ، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ وَحْدَهُ الَّذِي لَا إِشْكَالَ فِيهِ، فَهُوَ قَوِيٌّ بِدَلَالَةِ الْآيَاتِ الْمَذْكُورَةِ عَلَيْهِ.

وَأَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّ مَعْنَى: لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ، أَيْ: إِخْلَاصُكُمُ الدُّعَاءَ لَهُ أَيُّهَا الْكُفَّارُ عِنْدَ الشَّدَائِدِ وَالْكُرُوبِ، فَقَدْ دَلَّتْ عَلَى مَعْنَاهُ آيَاتٌ كَثِيرَةٌ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [٢٩ \ ٦٥] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [٢٠ \ ٢٢] .

وَقَدْ أَوْضَحْنَا الْآيَاتِ الدَّالَّةَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى فِي سُورَةِ «بَنِي إِسْرَائِيلَ» ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ الْآيَةَ [١٧ \ ٦٧] وَهَذَا الْقَوْلُ وَإِنْ دَلَّتْ عَلَيْهِ آيَاتٌ كَثِيرَةٌ، فَلَا يَظْهَرُ كَوْنُهُ هُوَ مَعْنَى آيَةِ «الْفُرْقَانِ» هَذِهِ.

وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمَعْنَى: مَا يَصْنَعُ بِعَذَابِكُمْ، لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ مَعَهُ آلِهَةً أُخْرَى ; فَقَدْ دَلَّ عَلَى مَعْنَاهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ الْآيَةَ [٤ \ ١٤٧] .

وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ الَّذِي هُوَ أَشْهَرُ الْأَقْوَالِ وَأَكْثَرُهَا قَائِلًا، وَهُوَ أَنَّ الْمَعْنَى: لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ، أَيْ: عِبَادَتُكُمْ لَهُ وَحْدَهُ، قَدْ دَلَّ عَلَيْهِ جَمِيعُ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى مَا يُعْطِيهِ اللَّهُ لِمَنْ أَطَاعَهُ، وَمَا أَعَدَّهُ لِمَنْ عَصَاهُ، وَكَثْرَتُهَا مَعْلُومَةٌ لَا خَفَاءَ بِهَا.

وَاعْلَمْ أَنَّ لَفْظَةَ (مَا) ، فِي قَوْلِهِ: قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي، قَالَ بَعْضُ أَهْلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>