قَوْلُهُ تَعَالَى: وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ. الْمُنْقَلَبُ هُنَا الْمَرْجِعُ وَالْمَصِيرُ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ هُنَا مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ، وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي فَنِّ الصَّرْفِ أَنَّ الْفِعْلَ إِذَا زَادَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحْرُفٍ كَانَ كُلٌّ مِنْ مَصْدَرِهِ الْمِيمِيِّ، وَاسْمِ مَكَانِهِ، وَاسْمِ زَمَانِهِ عَلَى صِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ.
وَالْمَعْنَى: وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مَرْجِعٍ يَرْجِعُونَ، وَأَيَّ مَصِيرٍ يَصِيرُونَ، وَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ، مِنْ أَنَّ الظَّالِمِينَ سَيَعْلَمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمَرْجِعَ الَّذِي يَرْجِعُونَ، أَيْ: يَعْلَمُونَ الْعَاقِبَةَ السَّيِّئَةَ الَّتِي هِيَ مَآلُهُمْ وَمَصِيرُهُمْ وَمَرْجِعُهُمْ، جَاءَ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى: كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ [١٠٢ \ ٣ - ٧] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا [٢٥ \ ٤٢] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ [١٣ \ ٤٢] وَالْآيَاتُ بِمِثْلِ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ جِدًّا.
وَقَوْلُهُ: أَيَّ مُنْقَلَبٍ، مَا نَابَ عَنِ الْمُطْلَقِ مِنْ قَوْلِهِ: يَنْقَلِبُونَ، وَلَيْسَ مَفْعُولًا بِهِ، لِقَوْلِهِ: وَسَيَعْلَمُ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَأَيَّ مَنْصُوبُ يَنْقَلِبُونَ، وَهُوَ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا بِـ سَيَعْلَمُ، لِأَنَّ أَيًّا وَسَائِرَ أَسْمَاءِ الِاسْتِفْهَامِ لَا يَعْمَلُ فِيهَا مَا قَبْلَهَا فِيمَا ذَكَرَهُ النَّحْوِيُّونَ، قَالَ النَّحَّاسُ: وَحَقِيقَةُ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّ الِاسْتِفْهَامَ مَعْنًى وَمَا قَبْلَهُ مَعْنًى آخَرُ، فَلَوْ عَمِلَ فِيهِ مَا قَبْلَهُ لَدَخَلَ بَعْضُ الْمَعَانِي فِي بَعْضٍ، انْتَهَى مِنْهُ. وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute