للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَوْلُهُ تَعَالَى: قَالَ يَاقَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ. قَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لَهُ فِي سُورَةِ «الرَّعْدِ» ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ [١٣ \ ٦] .

قَوْلُهُ تَعَالَى: قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ. قَوْلُهُ: اطَّيَّرْنَا بِكَ، أَيْ: تَشَاءَمْنَا بِكَ، وَكَانَ قَوْمُ صَالِحٍ إِذَا نَزَلَ بِهِمْ قَحْطٌ أَوْ بَلَاءٌ أَوْ مَصَائِبُ، قَالُوا: مَا جَاءَنَا هَذَا إِلَّا مِنْ شُؤْمِ صَالِحٍ، وَمَنْ آمَنَ بِهِ. وَالتَّطَيُّرُ: التَّشَاؤُمُ، وَأَصْلُ اشْتِقَاقِهِ مِنَ التَّشَاؤُمِ بِزَجْرِ الطَّيْرِ.

وَقَدْ بَيَّنَّا كَيْفِيَّةَ التَّشَاؤُمِ وَالتَّيَامُنِ بِالطَّيْرِ فِي سُورَةِ «الْأَنْعَامِ» ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ [٦ \ ٥٩] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ، قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَيْ سَبَبُكُمُ الَّذِي يَجِيءُ مِنْهُ خَيْرُكُمْ وَشَرُّكُمْ عِنْدَ اللَّهِ، فَالشَّرُّ الَّذِي أَصَابَكُمْ بِذُنُوبِكُمْ لَا بِشُؤْمِ صَالِحٍ، وَمَنْ آمَنَ بِهِ مِنْ قَوْمِهِ.

وَقَدْ قَدَّمْنَا مَعْنَى طَائِرِ الْإِنْسَانِ فِي سُورَةِ «بَنِي إِسْرَائِيلَ» ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ [١٧ \ ١٣] وَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ مِنْ تَشَاؤُمِ الْكُفَّارِ بِصَالِحٍ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، جَاءَ مِثْلُهُ مُوَضَّحًا فِي آيَاتٍ أُخَرَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي تَشَاؤُمِ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ بِمُوسَى: فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ [٧ \ ١٣١] وَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي تَطَيُّرِ كَفَّارِ قُرَيْشٍ بِنَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا [٤ \ ٧٨] وَالْحَسَنَةُ فِي الْآيَتَيْنِ: النِّعْمَةُ كَالرِّزْقِ وَالْخِصْبِ وَالْعَافِيَةِ، وَالسَّيِّئَةُ: الْمُصِيبَةُ بِالْجَدْبِ وَالْقَحْطِ، وَنَقْصِ الْأَمْوَالِ، وَالْأَنْفُسِ، وَالثَّمَرَاتِ ; وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ [٣٦ \ ١٨ - ١٩] أَيْ: بَلِيَّتُكُمْ جَاءَتْكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَكُفْرِكُمْ.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ، قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>