للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالثَّانِي: انْتِفَاعُهُ بِذَلِكَ التَّلْقِينِ، وَكِلَاهُمَا ثَابِتٌ فِي الْجُمْلَةِ، أَمَّا سَمَاعُهُ لِكَلَامِ الْمُلَقِّنِ فَيَشْهَدُ لَهُ سَمَاعُهُ لِقَرْعِ نَعْلِ الْمُلَقِّنِ الثَّابِتِ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَلَيْسَ سَمَاعُ كَلَامِهِ بِأَبْعَدَ مِنْ سَمَاعِ قَرْعِ نَعْلِهِ كَمَا تَرَى. وَأَمَّا انْتِفَاعُهُ بِكَلَامِ الْمُلَقِّنِ، فَيَشْهَدُ لَهُ انْتِفَاعُهُ بِدُعَاءِ الْحَيِّ وَقْتَ السُّؤَالِ فِي حَدِيثِ: «سَلُوا لِأَخِيكُمُ التَّثْبِيتَ فَإِنَّهُ يُسْأَلُ الْآنَ» ، وَاحْتِمَالُ الْفَرْقِ بَيْنَ الدُّعَاءِ وَالتَّلْقِينِ قَوِيٌّ جَدًا كَمَا تَرَى، فَإِذَا كَانَ وَقْتُ السُّؤَالِ يَنْتَفِعُ بِكَلَامِ الْحَيِّ الَّذِي هُوَ دُعَاؤُهُ لَهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَشْهَدُ لِانْتِفَاعِهِ بِكَلَامِ الْحَيِّ الَّذِي هُوَ تَلْقِينُهُ إِيَّاهُ وَإِرْشَادُهُ إِلَى جَوَابِ الْمَلَكَيْنِ، فَالْجَمِيعُ فِي الْأَوَّلِ سَمَاعٌ مِنَ الْمَيِّتِ لِكَلَامِ الْحَيِّ، وَفِي الثَّانِي انْتِفَاعٌ مِنَ الْمَيِّتِ بِكَلَامِ الْحَيِّ وَقْتَ السُّؤَالِ، وَقَدْ عَلِمْتَ قُوَّةَ احْتِمَالِ الْفِرَقِ بَيْنَ الدُّعَاءِ وَالتَّلْقِينِ.

وَفِي ذَلِكَ كُلِّهِ دَلِيلٌ عَلَى سَمَاعِ الْمَيِّتِ كَلَامَ الْحَيِّ، وَمِنْ أَوْضَحِ الشَّوَاهِدِ لِلتَّلْقِينِ بَعْدَ الدَّفْنِ السَّلَامُ عَلَيْهِ، وَخِطَابُهُ خِطَابَ مَنْ يَسْمَعُ، وَيَعْلَمُ عِنْدَ زِيَارَتِهِ، كَمَا تَقَدَّمَ إِيضَاحُهُ ; لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا خِطَابٌ لَهُ فِي قَبْرِهِ، وَقَدِ انْتَصَرَ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ «الرُّومِ» ، فِي كَلَامِهِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ، إِلَى قَوْلِهِ: فَهُمْ مُسْلِمُونَ [٣٠ \ ٣٢ - ٣٣] ، لِسَمَاعِ الْمَوْتَى، وَأَوْرَدَ فِي ذَلِكَ كَثِيرًا مِنَ الْأَدِلَّةِ الَّتِي قَدَّمْنَا فِي كَلَامِ ابْنِ الْقَيِّمِ، وَابْنِ أَبِي الدُّنْيَا وَغَيْرِهِمَا، وَكَثِيرًا مِنَ الْمَرَائِي الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ قَدَّمْنَا الْحَدِيثَ الدَّالَّ عَلَى أَنَّ الْمَرَائِيَ إِذَا تَوَاتَرَتْ أَفَادَتِ الْحُجَّةَ، وَمِمَّا قَالَ فِي كَلَامِهِ الْمَذْكُورِ: وَقَدِ اسْتَدَلَّتْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا بِهَذِهِ الْآيَةِ: فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى، عَلَى تَوْهِيمِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فِي رِوَايَتِهِ مُخَاطَبَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقَتْلَى الَّذِينَ أُلْقُوا فِي قَلِيبِ بَدْرٍ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، إِلَى أَنْ قَالَ: وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ رِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، لِمَا لَهَا مِنَ الشَّوَاهِدِ عَلَى صِحَّتِهَا، مِنْ أَشْهَرِ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مُصَحِّحًا لَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا: «مَا مِنْ أَحَدٍ يَمُرُّ بِقَبْرِ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ كَانَ يَعْرِفُهُ» ، الْحَدِيثَ.

وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ فِي هَذَا الْمَبْحَثِ مِرَارًا، وَبِجَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا فِي هَذَا الْمَبْحَثِ فِي الْكَلَامِ عَلَى آيَةِ «النَّمْلِ» هَذِهِ تَعْلَمُ أَنَّ الَّذِي يُرَجِّحُهُ الدَّلِيلُ: أَنَّ الْمَوْتَى يَسْمَعُونَ سَلَامَ الْأَحْيَاءِ وَخِطَابَهُمْ سَوَاءٌ قُلْنَا: إِنَّ اللَّهَ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ أَرْوَاحَهُمْ حَتَّى يَسْمَعُوا الْخِطَابَ وَيَرُدُّوا الْجَوَابَ، أَوْ قُلْنَا: إِنَّ الْأَرْوَاحَ أَيْضًا تَسْمَعُ وَتَرُدُّ بَعْدَ فَنَاءِ الْأَجْسَامِ، لِأَنَّا قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ هَذَا يَنْبَنِي عَلَى مُقَدِّمَتَيْنِ: ثُبُوتُ سَمَاعِ الْمَوْتَى بِالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ، وَأَنَّ الْقُرْآنَ لَا يُعَارِضُهَا عَلَى التَّفْسِيرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>