وَعَلَى قِرَاءَةِ نَافِعٍ وَابْنِ كَثِيرٍ وَأَبِي عَمْرٍو، فَهُوَ مُضَارِعُ تَظَهَّرَ عَلَى وَزْنِ تَفَعَّلَ، وَأَصْلُهُ تَتَظَهَّرُونَ بِتَاءَيْنِ، فَأُدْغِمَتْ إِحْدَى التَّاءَيْنِ فِي الظَّاءِ، وَمَاضِيهِ: اظَّهَّرْ، نَحْوَ: اطَّيَّرْنَا [٢٧ \ ٤٧] وَازَّيَّنَتْ [١٠ \ ٢٤] ، بِمَعْنَى: تَطَيَّرْنَا، وَتَزَيَّنَتْ ; كَمَا قَدَّمْنَا إِيضَاحَهُ فِي سُورَةِ «طه» ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ [٧ \ ١١٧] ، فَعُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ قَوْلَهُمْ ظَاهَرَ مِنِ امْرَأَتِهِ، وَتَظَاهَرَ مِنْهَا، وَتَظَهَّرَ مِنْهَا كُلُّهَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ لَهَا: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، يَعْنِي: أَنَّهَا حَرَامٌ عَلَيْهِ، وَكَانُوا يُطَلِّقُونَ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ.
وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا فِي قَوْلِهِ هُنَا: وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ، أَنَّ مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، لَا تَكُونُ أُمًّا لَهُ بِذَلِكَ، وَلَمْ يَزِدْ هُنَا عَلَى ذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ جَلَّ وَعَلَا أَوْضَحَ هَذَا فِي سُورَةِ «الْمُجَادَلَةِ» ، فَبَيَّنَ أَنَّ أَزْوَاجَهُمُ اللَّائِي ظَاهَرُوا مِنْهُنَّ لَسْنَ أُمَّهَاتِهِمْ، وَأَنَّ أُمَّهَاتِهِمْ هُنَّ النِّسَاءُ الَّاتِي وَلَدْنَهُمْ خَاصَّةً دُونَ غَيْرِهِنَّ، وَأَنَّ قَوْلَهُمْ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، مُنْكَرٌ مِنَ الْقَوْلِ وَزُورٌ.
وَقَدْ بَيَّنَ الْكَفَّارَةَ اللَّازِمَةَ فِي ذَلِكَ عِنْدَ الْعَوْدِ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ [٥٨ \ ٢ - ٤] .
فَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي آيَةِ «الْأَحْزَابِ» هَذِهِ: وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ «الْمُجَادَلَةِ» : الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ، وَقَدْ رَأَيْتَ مَا فِي سُورَةِ «الْمُجَادَلَةِ» ، مِنَ الزِّيَادَةِ وَالْإِيضَاحِ لِمَا تَضَمَّنَتْهُ آيَةُ «الْأَحْزَابِ» هَذِهِ.
مَسَائِلُ تَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَدْ عَلِمْتَ مِنَ الْقُرْآنِ أَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى الظِّهَارِ مِنَ الزَّوْجَةِ حَرَامٌ حُرْمَةٌ شَدِيدَةٌ ; كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا، فَمَا صَرَّحَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute