الظِّهَارِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: فِيهِ رِوَايَتَانِ، أَظْهَرُهُمَا: أَنَّهُ لَيْسَ بِظِهَارٍ حَتَّى يَنْوِيَهُ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ ; لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يُسْتَعْمَلُ فِي الْكَرَامَةِ أَكْثَرُ مِمَّا يُسْتَعْمَلُ فِي التَّحْرِيمِ، فَلَمْ يَنْصَرِفْ إِلَيْهِ بِغَيْرِ نِيَّةٍ كَكِنَايَاتِ الطَّلَاقِ، انْتَهَى مِنْهُ.
قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ: وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدِي، لِأَنَّ اللَّفْظَ الْمَذْكُورَ لَا يَتَعَيَّنُ لَا عُرْفًا، وَلَا لُغَةً، إِلَّا لِقَرِينَةٍ تَدُلُّ عَلَى قَصْدِهِ الظِّهَارَ.
قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي «الْمُغْنِي» : وَوَجْهُ الْأَوَّلِ يَعْنِي الْقَوْلَ بِأَنَّ ذَلِكَ ظِهَارٌ أَنَّهُ شَبَّهَ امْرَأَتَهُ بِجُمْلَةِ أُمِّهِ، فَكَانَ مُشَبِّهًا لَهَا بِظَهْرِهَا، فَيَثْبُتُ الظِّهَارُ ; كَمَا لَوْ شَبَّهَهَا بِهِ مُنْفَرِدًا.
وَالَّذِي يَصِحُّ عِنْدِي فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ إِنْ وُجِدَتْ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى الظِّهَارِ مِثْلَ أَنْ يُخْرِجَهُ مَخْرَجَ الْحَلِفِ، فَيَقُولُ: إِنْ فَعَلْتِ كَذَا فَأَنْتِ عَلَيَّ مِثْلُ أُمِّي، أَوْ قَالَ ذَلِكَ حَالَ الْخُصُومَةِ وَالْغَضَبِ فَهُوَ ظِهَارٌ ; لِأَنَّهُ إِذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْحَلِفِ فَالْحَلِفُ يُرَادُ لِلِامْتِنَاعِ مِنْ شَيْءٍ أَوِ الْحَثِّ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِتَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ كَوْنَهَا مِثْلَ أُمِّهِ فِي صِفَتِهَا أَوْ كَرَامَتِهَا لَا يَتَعَلَّقُ عَلَى شَرْطٍ، فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ الظِّهَارَ، وَوُقُوعُ ذَلِكَ فِي حَالِ الْخُصُومَةِ وَالْغَضَبِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ مَا يَتَعَلَّقُ بِأَذَاهَا، وَيُوجِبُ اجْتِنَابَهَا وَهُوَ الظِّهَارُ، وَإِنْ عُدِمَ هَذَا فَلَيْسَ بِظِهَارٍ ; لِأَنَّهُ مُحْتَمِلٌ لِغَيْرِ الظِّهَارِ احْتِمَالًا كَثِيرًا، فَلَا يَتَعَيَّنُ الظِّهَارُ فِيهِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ، وَنَحْوُ هَذَا قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ، انْتَهَى مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنَ «الْمُغْنِي» ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ فَلَا يَنْبَغِي الْعُدُولُ عَنْهُ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ: أَظْهَرُ أَقْوَالِ أَهْلِ الْعِلْمِ عِنْدِي أَنَّهُ إِنْ قَالَ: الْحِلُّ عَلَيَّ حَرَامٌ، أَوْ مَا أَحَلَّ اللَّهُ عَلَيَّ حَرَامٌ، أَوْ مَا انْقَلَبَ إِلَيْهِ حَرَامٌ، وَكَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ أَنَّهُ يَكُونُ مُظَاهِرًا، وَذَلِكَ لِدُخُولِ الزَّوْجَةِ فِي عُمُومِ الصِّيَغِ الْمَذْكُورَةِ.
قَالَ فِي «الْمُغْنِي» : نَصَّ عَلَى ذَلِكَ أَحْمَدُ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ، اهـ. وَهُوَ ظَاهِرٌ.
وَهَذَا عَلَى أَقْيَسِ الْأَقْوَالِ وَهُوَ كَوْنُ التَّحْرِيمِ ظِهَارًا، وَأَظْهَرُ الْقَوْلَيْنِ عِنْدِي فِيمَنْ قَالَ: مَا أَحَلَّ اللَّهُ مِنْ أَهْلٍ وَمَالٍ حَرَامٌ عَلَيَّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الظِّهَارُ، مَعَ لُزُومِ مَا يَلْزَمُ فِي تَحْرِيمِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ مِنْ مَالٍ، وَهُوَ كَفَّارَةُ يَمِينٍ عِنْدِ مَنْ يَقُولُ بِذَلِكَ، وَعَلَيْهِ فَتَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ ظِهَارٍ وَكَفَّارَةُ يَمِينٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute