للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَاطِّلَاعُ الْفَضْلِ عَلَى أَنَّهَا وَضِيئَةٌ حَسْنَاءُ لَا يَسْتَلْزِمُ السُّفُورَ قَصْدًا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ رَأَى وَجْهَهَا، وَعَرَفَ حُسْنَهُ مِنْ أَجْلِ انْكِشَافِ خِمَارِهَا مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ مِنْهَا، وَاحْتِمَالِ أَنَّهُ رَآهَا قَبْلَ ذَلِكَ وَعَرَفَ حُسْنَهَا.

فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُهُ: إِنَّهَا وَضِيئَةٌ، وَتَرْتِيبُهُ عَلَى ذَلِكَ بِالْفَاءِ قَوْلَهُ: فَطَفِقَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا، وَقَوْلَهُ: وَأَعْجَبَهُ حُسْنُهَا، فِيهِ الدَّلَالَةُ الظَّاهِرَةُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَرَى وَجْهَهَا، وَيَنْظُرُ إِلَيْهِ لِإِعْجَابِهِ بِحُسْنِهِ.

فَالْجَوَابُ: أَنَّ تِلْكَ الْقَرَائِنَ لَا تَسْتَلْزِمُ اسْتِلْزَامًا، لَا يَنْفَكُّ أَنَّهَا كَانَتْ كَاشِفَةً، وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَآهَا كَذَلِكَ، وَأَقَرَّهَا؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنْوَاعِ الِاحْتِمَالِ، مَعَ أَنَّ جَمَالَ الْمَرْأَةِ قَدْ يُعْرَفُ وَيُنْظَرُ إِلَيْهَا لِجَمَالِهَا وَهِيَ مُخْتَمِرَةٌ، وَذَلِكَ لِحُسْنِ قَدِّهَا وَقَوَامِهَا، وَقَدْ تُعْرَفُ وَضَاءَتُهَا وَحُسْنُهَا مِنْ رُؤْيَةِ بَنَانِهَا فَقَطْ، كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ. وَلِذَلِكَ فَسَّرَ ابْنُ مَسْعُودٍ: وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا [٢٤ \ ٣١] ، بِالْمُلَاءَةِ فَوْقَ الثِّيَابِ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَمِمَّا يُوَضِّحُ أَنَّ الْحُسْنَ يُعْرَفُ مِنْ تَحْتِ الثِّيَابِ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

طَافَتْ أُمَامَةُ بِالرُّكْبَانِ آوِنَةً ... يَا حُسْنَهَا مِنْ قَوَامٍ مَا وَمُنْتَقِبَا

فَقَدْ بَالَغَ فِي حُسْنِ قَوَامِهَا، مَعَ أَنَّ الْعَادَةَ كَوْنُهُ مَسْتُورًا بِالثِّيَابِ لَا مُنْكَشِفًا.

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْمَرْأَةَ مُحْرِمَةٌ وَإِحْرَامُ الْمَرْأَةِ فِي وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا، فَعَلَيْهَا كَشْفُ وَجْهِهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ رِجَالٌ أَجَانِبُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، وَعَلَيْهَا سَتْرَهُ مِنَ الرِّجَالِ فِي الْإِحْرَامِ، كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ عَنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِنَّ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إِنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ الْخَثْعَمِيَّةَ نَظَرَ إِلَيْهَا أَحَدٌ غَيْرُ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَالْفَضْلُ مَنَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ النَّظَرِ إِلَيْهَا، وَبِذَلِكَ يُعْلَمُ أَنَّهَا مُحْرِمَةٌ لَمْ يَنْظُرْ إِلَيْهَا أَحَدٌ فَكَشْفُهَا عَنْ وَجْهِهَا إذًا لِإِحْرَامِهَا لَا لِجَوَازِ السُّفُورِ.

فَإِنْ قِيلَ: كَوْنُهَا مَعَ الْحُجَّاجِ مَظِنَّةُ أَنْ يَنْظُرَ الرِّجَالُ وَجْهَهَا إِنْ كَانَتْ سَافِرَةً ; لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْمَرْأَةَ السَّافِرَةَ وَسَطَ الْحَجِيجِ، لَا تَخْلُو مِمَّنْ يَنْظُرُ إِلَى وَجْهِهَا مِنَ الرِّجَالِ.

فَالْجَوَابُ: أَنَّ الْغَالِبَ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَرَعُ وَعَدَمُ النَّظَرِ إِلَى النِّسَاءِ، فَلَا مَانِعَ عَقْلًا وَلَا شَرْعًا وَلَا عَادَةً، مِنْ كَوْنِهَا لَمْ يَنْظُرْ إِلَيْهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ، وَلَوْ نَظَرَ إِلَيْهَا لَحُكِيَ كَمَا حُكِيَ نَظَرُ الْفَضْلِ إِلَيْهَا، وَيُفْهَمُ مَنْ صَرْفِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَصَرَ الْفَضْلِ عَنْهَا، أَنَّهُ لَا سَبِيلَ إِلَى تَرْكِ

<<  <  ج: ص:  >  >>