وَقَوْلُهُمْ: هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ إِنَّمَا ذَكَرَهُ تَعَالَى إِنْكَارًا عَلَيْهِمْ وَتَكْذِيبًا لَهُمْ. فَعُرِفَ بِذَلِكَ أَنَّ فِي ضِمْنِ الْمَعْنَى وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ أَنَّكَ مُرْسَلٌ حَقًّا وَلَوْ عَجِبُوا مِنْ مَجِيئِكَ مُنْذِرًا لَهُمْ، وَزَعَمُوا أَنَّكَ سَاحِرٌ كَذَّابٌ، أَيْ فَهُمُ الَّذِينَ عَجِبُوا مِنَ الْحَقِّ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ، وَزَعَمُوا أَنَّ خَاتَمَ الرُّسُلِ، وَأَكْرَمَهُمْ عَلَى اللَّهِ، سَاحِرٌ كَذَّابٌ.
وَأَمَّا كَوْنُ الْإِلَهِ الْمَعْبُودِ وَاحِدًا لَا شَرِيكَ لَهُ، فَفِي قَوْلِهِ هُنَا: أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ [٣٨ \ ٥] ; لِأَنَّ الْهُمَزَةَ فِي قَوْلِهِ: أَجَعَلَ لِلْإِنْكَارِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى مَعْنَى النَّفْيِ، فَهِيَ تَدُلُّ عَلَى نَفْيِ سَبَبِ تَعَجُّبِهِمْ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الْإِلَهَ الْمَعْبُودَ وَاحِدٌ.
وَهَذَانَ الْأَمْرَانِ قَدْ دَلَّتْ آيَاتٌ أُخَرُ مِنَ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، عَلَى أَنَّ اللَّهَ أَقْسَمَ عَلَى تَكْذِيبِهِمْ فِيهَا وَإِثْبَاتِهَا بِالْقَسَمِ صَرِيحًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى مُقْسِمًا عَلَى أَنَّ الرَّسُولَ مُرْسَلٌ حَقًّا يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ [٣٦ \ ١ - ٣] فَهِيَ تُوَضِّحُ مَعْنَى ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ إِنَّكَ لِمَنِ الْمُرْسَلِينَ.
وَقَدْ جَاءَ تَأْكِيدُ صِحَّةِ تِلْكَ الرِّسَالَةِ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ [٢ \ ٢٥٢] ، وَأَمَّا كَوْنُهُ تَعَالَى هُوَ الْمَعْبُودُ الْحَقُّ لَا شَرِيكَ لَهُ، فَقَدْ أَقْسَمَ تَعَالَى عَلَيْهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَالصَّافَّاتِ صَفًّا فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ [٣٧ \ ١ - ٤] وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى تَضْمَّنَ مَا ذُكِرَ أَيْ وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ، إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ: أَجَعَلَ الْآلِهَةَ الْآيَةَ [٣٨ \ ٥] .
وَأَمَّا كَوْنُ الْبَعْثِ حَقًّا، فَقَدْ أَقْسَمَ عَلَيْهِ إِقْسَامًا صَحِيحًا صَرِيحًا، فِي آيَاتٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ [٦٤ \ ٧] . وَقَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ [٦٤ \ ٣] أَيِ السَّاعَةُ. وَقَوْلِهِ: قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ. [١٠ \ ٥٣]
وَأَقْسَمَ عَلَى اثْنَيْنِ مِنَ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ وَحَذَفَ الْمُقْسَمَ عَلَيْهِ الَّذِي هُوَ الِاثْنَانِ الْمَذْكُورَانِ، وَهِيَ كَوْنُ الرَّسُولِ مُرْسَلًا، وَالْبَعْثِ حَقًّا، وَأَشَارَ إِلَى ذَلِكَ إِشَارَةً وَاضِحَةً، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ [٥٠ \ ١ - ٣] فَاتَّضَحَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute