للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يُعْرَفُ لَهُ مِنْهُ سَمَاعٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:

الْأَوَّلُ: أَنَّ الْعَنْعَنَةَ وَنَحْوَهَا لَهَا حُكْمُ التَّصْرِيحِ بِالتَّحْدِيثِ عِنْدَ الْمُحْدِّثِينَ إِلَّا إِذَا كَانَ الْمُعَنْعِنُ مُدَلِّسًا، وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ: قَالَ فِيهِ الذَّهَبِيُّ فِي «تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ» كَانَ حُجَّةً حَافِظًا لِلْحَدِيثِ وَذَكَرَ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ رَوَى عَنْهُمْ أَبَا الطُّفَيْلِ الْمَذْكُورَ، وَقَالَ فِيهِ ابْنُ حَجَرٍ فِي «التَّقْرِيبِ» : ثِقَةٌ فَقِيهٌ، وَكَانَ يُرْسِلُ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْإِرْسَالَ غَيْرُ التَّدْلِيسِ ; لِأَنَّ الْإِرْسَالَ فِي اصْطِلَاحِ الْمُحْدِّثِينَ هُوَ رَفْعُ التَّابِعِيِّ مُطْلَقًا أَوِ الْكَبِيرِ خَاصَّةً الْحَدِيثَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقِيلَ إِسْقَاطُ رَاوٍ مُطْلَقًا، وَهُوَ قَوْلُ الْأُصُولِيِّينَ فَالْإِرْسَالُ مَقْطُوعٌ فِيهِ بِحَذْفِ الْوَاسِطَةِ بِخِلَافِ التَّدْلِيسِ، فَإِنَّ تَدْلِيسَ الْإِسْنَادِ يَحْذِفُ فِيهِ الرَّاوِي شَيْخَهُ الْمُبَاشِرَ لَهُ وَيُسْنِدُ إِلَى شَيْخِ شَيْخِهِ الْمُعَاصِرِ بِلَفْظٍ مُحْتَمِلٍ لِلسَّمَاعِ مُبَاشَرَةً وَبِوَاسِطَةٍ، نَحْوَ عَنْ فُلَانٍ وَقَالَ فُلَانٌ فَلَا يَقْطَعُ فِيهِ بِنَفْيِ الْوَاسِطَةِ بَلْ هُوَ يُوهِمُ الِاتِّصَالَ ; لِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ مُعَاصَرَةِ مَنْ أَسْنَدَ إِلَيْهِ أَعْنِي: شَيْخَ شَيْخِهِ، وَإِلَّا كَانَ مُنْقَطِعًا كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ وَقَوْلُ ابْنِ حَزْمٍ لَمْ يُعَرَفْ لَهُ مِنْهُ سَمَاعٌ لَيْسَ بِقَادِحٍ ; لِأَنَّ الْمُعَاصَرَةَ تَكْفِي وَلَا يُشْتَرَطُ ثُبُوتُ اللُّقِىِّ وَأَحْرَى ثُبُوتُ السَّمَاعِ فَمُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ لَا يَشْتَرِطُ فِي «صَحِيحِهِ» إِلَّا الْمُعَاصَرَةَ فَلَا يَشْتَرِطُ اللُّقِىَّ وَأَحْرَى السَّمَاعُ وَإِنَّمَا اشْتَرَطَ اللُّقِىَّ الْبُخَارِيُّ، قَالَ الْعِرَاقِيُّ فِي «أَلْفِيَّتِهِ» : [الرَّجَزُ]

وَصَحَّحُوا وَصْلَ مُعَنْعَنٍ سَلِمْ ... مِنْ دُلْسَةِ رَاوِيهِ وَاللِّقَا عُلِمْ

وَبَعْضُهُمْ حَكَى بِذَا إِجْمَاعَا ... وَمُسْلِمٌ لَمْ يَشْرُطِ اجْتِمَاعَا

لَكِنْ تَعَاصَرُوا. . . إِلَخْ

وَبِالْجُمْلَةِ فَلَا يَخْفَى إِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى صِحَّةِ أَحَادِيثِ مُسْلِمٍ مَعَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ إِلَّا الْمُعَاصَرَةَ وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ حَزْمٍ وَمَنْ وَافَقَهُ إِنَّهُ لَا تُعْرَفُ رِوَايَةُ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ لَا تَقْدَحُ فِي حَدِيثِهِ لِمَا عَلِمْتَ مِنْ أَنَّ الْعَنْعَنَةَ مِنْ غَيْرِ الْمُدَلِّسِ لَهَا حُكْمُ التَّحْدِيثِ وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ، وَقَدْ قَارَبَ الثَّمَانِينَ.

وَأَبُو الطُّفَيْلِ وُلِدَ عَامَ أُحُدٍ وَمَاتَ سَنَةَ عَشْرٍ وَمِائَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ، وَبِهِ تَعَلَمُ أَنَّهُ لَا شَكَّ فِي مُعَاصَرَتِهِمَا وَاجْتِمَاعِهِمَا فِي قَيْدِ الْحَيَاةِ زَمَنًا طَوِيلًا، وَلَا غَرْوَ فِي حُكْمِ ابْنِ حَزْمٍ عَلَى رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ بِأَنَّهَا بَاطِلَةٌ، فَإِنَّهُ قَدِ ارْتَكَبَ أَشَدَّ مِنْ ذَلِكَ فِي حُكْمِهِ عَلَى الْحَدِيثِ الثَّابِتِ فِي «صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ» : «لَيَكُونَنَّ فِي أُمَّتِي أَقْوَامٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>