للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَمَعْلُومٌ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ لَا يَحْكُمُ بِغَيْرِ الْحَقِّ، وَلَا يَتَّبِعُ الْهَوَى فَيُضِلَّهُ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى، يَأْمُرُ أَنْبِيَاءَهُ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَيَنْهَاهُمْ لِيَشْرَعَ لِأُمَمِهِمْ.

وَلِذَلِكَ أَمَرَ نَبِيَّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِ مَا أَمَرَ بِهِ دَاوُدَ، وَنَهَاهُ أَيْضًا عَنْ مَثَلِ ذَلِكَ، فِي آيَاتٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ [١٥ \ ٤٢] . وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ [١٥ \ ٤٩] وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ [٣٣ \ ٤٨] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا [٧٦ \ ٢٤] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ الْآيَةَ [١٨ \ ٢٨] .

وَقَدْ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَى هَذَا فِي سُورَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا [١٧ \ ٢٢] .

وَبَيَّنَّا أَنَّ مِنْ أَصْرَحِ الْأَدِلَّةِ الْقُرْآنِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ يُخَاطَبُ بِخِطَابٍ، وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ الْخِطَابِ غَيْرُهُ يَقِينًا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا الْآيَةَ [١٧ \ ٢٣] ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ أَبَاهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ قَبْلَ وِلَادَتِهِ، وَأَنْ أَمَّهُ مَاتَتْ وَهُوَ صَغِيرٌ، وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ اللَّهَ يُخَاطِبُهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَبْلُغُ عِنْدَهُ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا، وَلَا كِلَاهُمَا لِأَنَّهُمَا قَدْ مَاتَا قَبْلَ ذَلِكَ بِزَمَانٍ.

فَتَبَيَّنَ أَنَّ أَمْرَهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ وَنَهْيَهُ لَهُ فِي قَوْلِهِ فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ الْآيَةَ، إِنَّمَا يُرَادُ بِهِ التَّشْرِيعُ عَلَى لِسَانِهِ لِأُمَّتِهِ، وَلَا يُرَادُ بِهِ هُوَ نَفْسُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ قَدَّمْنَا هُنَاكَ أَنَّ مِنْ أَمْثَالِ الْعَرَبِ. إِيَّاكَ أَعْنِي وَاسْمَعِي يَا جَارَةُ، وَذَكَرْنَا فِي ذَلِكَ رَجَزَ سَهْلِ بْنِ مَالِكٍ الْفَزَارِيِّ الَّذِي خَاطَبَ بِهِ امْرَأَةً، وَهُوَ يَقْصِدُ أُخْرَى وَهِيَ أُخْتُ حَارِثَةَ بْنِ لَأْمٍ الطَّائِيِّ وَهُوَ قَوْلُهُ:

يَا أُخْتَ خَيْرِ الْبَدْوِ وَالْحَضَارَهْ ... كَيْفَ تَرَيْنَ فِي فَتَى فَزَارَهْ

أَصْبَحَ يَهْوَى حُرَّةً مِعْطَارَهْ ... إِيَّاكِ أَعْنِي وَاسْمَعِي يَا جَارَهْ

وَذَكَرْنَا هُنَاكَ الرَّجَزَ الَّذِي أَجَابَتْهُ بِهِ الْمَرْأَةَ، وَقَوْلَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ: إِنَّ الْخِطَابَ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>