للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَأَمَّا كَوْنُ تُدَبِّرُ آيَاتِهِ، مِنْ حِكَمِ إِنْزَالِهِ: فَقَدْ أَشَارَ إِلَيْهِ فِي بَعْضِ الْآيَاتِ، بِالتَّحْضِيضِ عَلَى تَدَبُّرِهِ، وَتَوْبِيخِ مَنْ لَمْ يَتَدَبَّرْهُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [٤٧ \ ٢٤] . وَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا [٤ \ ٨٢] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ [٢٣ \ ٦٨] .

وَأَمَّا كَوْنُ تَذَكُّرِ أُولِي الْأَلْبَابِ مِنْ حِكَمِ إِنْزَالِهِ، فَقَدْ ذَكَرَهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، مُقْتَرِنًا بِبَعْضِ الْحِكَمِ الْأُخْرَى، الَّتِي لَمْ تُذْكَرْ فِي آيَةِ (ص) هَذِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ إِبْرَاهِيمَ هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [١٤ \ ٥٢] فَقَدْ بَيَّنَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، أَنَّ تَذَكُّرَ أُولِي الْأَلْبَابِ، مَنْ حِكَمِ إِنْزَالِهِ مُبَيِّنًا مِنْهَا حِكْمَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ، مَنْ حِكَمِ إِنْزَالِهِ، وَهُمَا إِنْذَارُ النَّاسِ بِهِ، وَتَحْقِيقُ مَعْنَى لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَكَوْنُ إِنْذَارِ النَّاسِ وَتَذَكُّرُ أُولِي الْأَلْبَابِ، مِنْ حِكَمِ إِنْزَالِهِ، ذَكَرَهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: المص كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ [٧ \ ١ - ٢] لِأَنَّ اللَّامَ فِي قَوْلِهِ لِتُنْذِرَ، مُتَعَلِّقَةً بِقَوْلِهِ: أُنْزِلَ، وَالذِّكْرَى اسْمُ مَصْدَرٍ بِمَعْنَى التَّذْكِيرِ، وَالْمُؤْمِنُونَ فِي الْآيَةِ لَا يَخْفَى أَنَّهُمْ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ.

وَذِكْرُ حِكْمَةِ الْإِنْذَارِ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ كَقَوْلِهِ: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا [٢٥ \ ١] .

وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ [٦ \ ١٩] . وَقَوْلِهِ تَعَالَى: تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ الْآيَةَ [٣٦ \ ٥ - ٦] . وَقَوْلِهِ تَعَالَى: لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا الْآيَةَ [٣٦ \ ٧٠] .

وَذُكِرَ فِي آيَاتٍ أُخَرَ، أَنَّ مِنْ حِكَمِ إِنْزَالِهِ، الْإِنْذَارُ وَالتَّبْشِيرُ مَعًا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا [١٩ \ ٩٧] . وَقَوْلِهِ تَعَالَى: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ الْآيَةَ [١٨ \ ١ - ٢] .

وَبَيَّنَ جَلَّ وَعَلَا أَنَّ مِنْ حِكَمِ إِنْزَالِهِ أَنْ يُبَيِّنَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنَّاسِ مَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ وَلِأَجْلِ أَنْ يَتَفَكَّرُوا، وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [١٦ \ ٤٤] .

<<  <  ج: ص:  >  >>