مُطْلَقِ الْحَسَنِ، فَإِذَا سَمِعُوا مَثَلًا قَوْلَهُ تَعَالَى: وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [٢٢ \ ٧٧] قَدَّمُوا فِعْلَ الْخَيْرِ الْوَاجِبَ، عَلَى فِعْلِ الْخَيْرِ الْمَنْدُوبِ، وَقَدَّمُوا هَذَا الْأَخِيرَ، عَلَى مُطْلَقِ الْحَسَنِ الَّذِي هُوَ الْجَائِزُ، وَلِذَا كَانَ الْجَزَاءُ بِخُصُوصِ الْأَحْسَنِ الَّذِي هُوَ الْوَاجِبُ وَالْمَنْدُوبُ، لَا عَلَى مُطْلَقِ الْحَسَنِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [١٦ \ ٩٧] وَقَالَ تَعَالَى وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ [٣٩ \ ٣٥] كَمَا قَدَّمْنَا إِيضَاحَهُ فِي سُورَةِ النَّحْلِ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [١٦ \ ٩٧] ، وَبَيَّنَّا هُنَاكَ دَلَالَةَ الْآيَاتِ عَلَى أَنَّ الْمُبَاحَ حَسَنٌ، كَمَا قَالَ صَاحِبُ الْمَرَاقِي:
مَا رَبُّنَا لَمْ يَنْهَ عَنْهُ حَسَنُ وَغَيْرُهُ الْقَبِيحُ وَالْمُسْتَهْجَنُ
وَمِنْ أَمْثِلَةِ التَّرْغِيبِ فِي الْأَخْذِ بِالْأَحْسَنِ وَأَفْضَلِيَّتِهِ مَعَ جَوَازِ الْأَخْذِ بِالْحَسَنِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ [١٦ \ ١٢٦] فَالْأَمْرُ فِي قَوْلِهِ: فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ لِلْجَوَازِ، وَاللَّهُ لَا يَأْمُرُ إِلَّا بِحَسَنٍ. فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الِانْتِقَامَ حَسَنٌ، وَلَكِنَّ اللَّهَ بَيَّنَ أَنَّ الْعَفْوَ وَالصَّبْرَ، خَيْرٌ مِنْهُ وَأَحْسَنُ فِي قَوْلِهِ: وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ وَأَمْثَالُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ فِي الْقُرْآنِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي إِبَاحَةِ الِانْتِقَامِ: وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ [٤٢ \ ٤٣] ، مَعَ أَنَّهُ بَيَّنَ أَنَّ الصَّبْرَ وَالْغُفْرَانَ خَيْرٌ مِنْهُ، فِي قَوْلِهِ بَعْدَهُ: وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [٤٢ \ ٤٣] ، وَكَقَوْلِهِ فِي جَوَازِ الِانْتِقَامِ: لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ [٤ \ ١٤٨] مَعَ أَنَّهُ أَشَارَ إِلَى أَنَّ الْعَفْوَ خَيْرٌ مِنْهُ، وَأَنَّهُ مِنْ صِفَاتِهِ جَلَّ وَعَلَا مَعَ كَمَالِ قُدْرَتِهِ وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ بَعْدَهُ: إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا [٤ \ ١٤٩] . وَكَقَوْلِهِ جَلَّ وَعَلَا مُثْنِيًا عَلَى مَنْ تَصَدَّقَ، فَأَبْدَى صَدَقَتَهُ: إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ [٢ \ ٢٧١] ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ إِخْفَاءَهَا وَإِيتَاءَهَا الْفُقَرَاءَ، خَيْرٌ مِنْ إِبْدَائِهَا الَّذِي مَدَحَهُ بِالْفِعْلِ الْجَامِدِ، الَّذِي هُوَ لِإِنْشَاءِ الْمَدْحِ الَّذِي هُوَ نَعِمَّ، فِي قَوْلِهِ: إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [٢ \ ٢٧١] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute