وَقَدْ أَوْضَحْنَا وَجْهَ حَصْرِ مَا أُوحِيَ إِلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَضْمُونِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ فِي سُورَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ - تَعَالَى - إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [١٧ \ ٩] .
وَبَيَّنَّا فِي مَوَاضِعَ مُتَعَدِّدَةٍ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ الْمُبَارَكِ إِنْكَارَ الْمُشْرِكِينَ كَوْنَ الرُّسُلِ مِنَ الْبَشَرِ، وَأَنَّهُمْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَمَا رَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِهِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ، أَوْضَحْنَا ذَلِكَ فِي سُورَةِ ص، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ - تَعَالَى -: وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ [٣٨ \ ٤] وَفِي سُورَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ - تَعَالَى -: وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِلَى قَوْلِهِ: لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا [١٧ \ ٩٤ - ٩٥] .
قَوْلُهُ - تَعَالَى -: وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ.
قَدِ اسْتَدَلَّ بَعْضُ عُلَمَاءِ الْأُصُولِ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ ; لِأَنَّهُ - تَعَالَى - صَرَّحَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ بِأَنَّهُمْ مُشْرِكُونَ، وَأَنَّهُمْ كَافِرُونَ بِالْآخِرَةِ، وَقَدْ تَوَعَّدَهُمْ بِالْوَيْلِ عَلَى شِرْكِهِمْ وَكُفْرِهِمْ بِالْآخِرَةِ، وَعَدَمِ إِيتَائِهِمُ الزَّكَاةَ، سَوَاءٌ قُلْنَا: إِنَّ الزَّكَاةَ فِي الْآيَةِ هِيَ زَكَاةُ الْمَالِ الْمَعْرُوفَةُ، أَوْ زَكَاةُ الْأَبْدَانِ بِفِعْلِ الطَّاعَاتِ وَاجْتِنَابِ الْمَعَاصِي.
وَرَجَّحَ بَعْضُهُمُ الْقَوْلَ الْأَخِيرَ ; لِأَنَّ سُورَةَ فُصِّلَتْ هَذِهِ مِنَ الْقُرْآنِ النَّازِلِ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، وَزَكَاةُ الْمَالِ الْمَعْرُوفَةُ إِنَّمَا فُرِضَتْ بَعْدَ الْهِجْرَةِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ، كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ - تَعَالَى -: وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ [٦ \ ١٤١] .
وَعَلَى كُلِّ حَالٍ، فَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى خِطَابِ الْكُفَّارِ بِفُرُوعِ الْإِسْلَامِ.
أَعْنِي امْتِثَالَ أَوَامِرِهِ وَاجْتِنَابَ نَوَاهِيهِ. وَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ مِنْ كَوْنِهِمْ مُخَاطَبِينَ بِذَلِكَ، وَأَنَّهُمْ يُعَذَّبُونَ عَلَى الْكُفْرِ، وَيُعَذَّبُونَ عَلَى الْمَعَاصِي - جَاءَ مُوَضَّحًا فِي آيَاتٍ أُخَرَ، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى - عَنْهُمْ مُقَرِّرًا لَهُ: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ [٧٤ \ ٤٢ - ٤٧] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute