للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَاعْلَمْ أَنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالطَّاغِيَةِ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى -: فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ [٦٩ \ ٥] أَنَّهَا الصَّيْحَةُ الَّتِي أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ بِهَا، كَمَا يُوَضِّحُهُ قَوْلُهُ بَعْدَهُ: وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ [٦٩ \ ٦] .

خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ أَنَّ الطَّاغِيَةَ مَصْدَرٌ كَالْعَاقِبَةِ وَالْعَافِيَةِ، وَأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُمْ أُهْلِكُوا بِطُغْيَانِهِمْ، أَيْ بِكُفْرِهِمْ وَتَكْذِيبِهِمْ نَبِيَّهُمْ، كَقَوْلِهِ: كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا [٩١ \ ١١] .

وَخِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ أَنَّ الطَّاغِيَةَ هِيَ أَشْقَاهُمُ الَّذِي انْبَعَثَ فَعَقَرَ النَّاقَةَ، وَأَنَّهُمْ أُهْلِكُوا بِسَبَبِ فِعْلِهِ، وَهُوَ عَقْرُهُ النَّاقَةَ، وَكُلُّ هَذَا خِلَافُ التَّحْقِيقِ.

وَالصَّوَابُ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ - هُوَ مَا ذَكَرْنَا، وَالسِّيَاقُ يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ - تَعَالَى -: فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ [٩١ \ ١٤] فَإِنَّهُ لَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرْنَا ; لِأَنَّ مَعْنَى دَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ، أَيْ أَطْلَقَ عَلَيْهِمُ الْعَذَابَ وَأَلْبَسَهُمْ إِيَّاهُ، بِسَبَبِ ذَنْبِهِمْ.

قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي مَعْنَى دَمْدَمَ: وَهُوَ مِنْ تَكْرِيرِ قَوْلِهِمْ: نَاقَةٌ مَدْمُومَةٌ، إِذَا أُلْبِسَهَا الشَّحْمُ.

وَأَمَّا إِطْلَاقُ الْعَذَابِ عَلَيْهِ فِي سُورَةِ «الشُّعَرَاءِ» فَوَاضِحٌ، فَاتَّضَحَ رُجُوعُ مَعْنَى الْآيَاتِ الْمَذْكُورَةِ إِلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ.

وَقَوْلُهُ - تَعَالَى - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ - مِنَ النَّعْتِ بِالْمَصْدَرِ ; لِأَنَّ الْهُونِ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْهَوَانِ، وَالنَّعْتُ بِالْمَصْدَرِ أُسْلُوبٌ عَرَبِيٌّ مَعْرُوفٌ، أَشَارَ إِلَيْهِ فِي الْخُلَاصَةِ بِقَوْلِهِ:

وَنَعَتُوا بِمَصْدَرٍ كَثِيرًا ... فَالْتَزَمُوا الْإِفْرَادَ وَالتَّذْكِيرَا

وَهُوَ مُوَجَّهٌ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، أَيِ الْعَذَابِ ذِي الْهُونِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ، فَكَأَنَّ الْعَذَابَ لِشِدَّةِ اتِّصَافِهِ بِالْهَوَانِ اللَّاحِقِ بِمَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ - صَارَ كَأَنَّهُ نَفْسُ الْهَوَانِ، كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي مَحَلِّهِ.ُُ

<<  <  ج: ص:  >  >>