للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَسْأَلَةٌ

اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ - جَلَّ وَعَلَا - بَيَّنَ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ صِفَاتِ مَنْ يَسْتَحِقُّ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ لَهُ، فَعَلَى كُلِّ عَاقِلٍ أَنْ يَتَأَمَّلَ الصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةَ الَّتِي سَنُوَضِّحُهَا الْآنَ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ - وَيُقَابِلَهَا مَعَ صِفَاتِ الْبَشَرِ الْمُشَرِّعِينَ لِلْقَوَانِينِ الْوَضْعِيَّةِ، فَيَنْظُرُ هَلْ تَنْطَبِقُ عَلَيْهِمْ صِفَاتُ مَنْ لَهُ التَّشْرِيعُ، سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَنْ ذَلِكَ.

فَإِنْ كَانَتْ تَنْطَبِقُ عَلَيْهِمْ - وَلَنْ تَكُونَ - فَلْيَتَّبِعْ تَشْرِيعَهُمْ.

وَإِنْ ظَهَرَ يَقِينًا أَنَّهُمْ أَحْقَرُ وَأَخَسُّ وَأَذَلُّ وَأَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ، فَلْيَقِفْ بِهِمْ عِنْدَ حَدِّهِمْ، وَلَا يُجَاوِزْهُ بِهِمْ إِلَى مَقَامِ الرُّبُوبِيَّةِ.

سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنْ يَكُونَ لَهُ شَرِيكٌ فِي عِبَادَتِهِ أَوْ حُكْمِهِ أَوْ مُلْكِهِ.

فَمِنَ الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ الَّتِي أَوْضَحَ بِهَا - تَعَالَى - صِفَاتِ مِنْ لَهُ الْحُكْمُ وَالتَّشْرِيعُ قَوْلُهُ هُنَا: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ مُبَيِّنًا صِفَاتِ مَنْ لَهُ الْحُكْمُ: ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [٤٢ \ ١٠ - ١٢] .

فَهَلْ فِي الْكَفَرَةِ الْفَجَرَةِ الْمُشَرِّعِينَ لِلنُّظُمِ الشَّيْطَانِيَّةِ مَنْ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُوصَفَ بِأَنَّهُ الرَّبُّ الَّذِي تُفَوَّضُ إِلَيْهِ الْأُمُورُ، وَيُتَوَكَّلُ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ - أَيْ خَالِقُهُمَا وَمُخْتَرِعُهُمَا - عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ سَابِقٍ، وَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لِلْبَشَرِ أَزْوَاجًا، وَخَلَقَ لَهُمْ أَزْوَاجَ الْأَنْعَامِ الثَّمَانِيَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى -: ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ الْآيَةَ [٦ \ ١٤٣] ، وَأَنَّهُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ، وَأَنَّهُ لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقَدِرُ - أَيْ يُضَيِّقُهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ - وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.

فَعَلَيْكُمْ أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ أَنْ تَتَفَهَّمُوا صِفَاتِ مَنْ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُشَرِّعَ وَيُحَلِّلَ وَيُحَرِّمَ، وَلَا تَقْبَلُوا تَشْرِيعًا مِنْ كَافِرٍ خَسِيسٍ حَقِيرٍ جَاهِلٍ.

وَنَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ قَوْلُهُ - تَعَالَى - فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [٤ \ ٥٩] ، فَقَوْلُهُ فِيهَا: فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ كَقَوْلِهِ فِي هَذِهِ: فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>