قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ [٢ \ ١٢٤] . أَيِ الظَّالِمِينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ.
وَقَوْلُهُ - تَعَالَى - فِي «الصَّافَّاتِ» : وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ [٣٧ \ ١١٣] .
فَالْمُحْسِنُ مِنْهُمْ هُوَ الَّذِي الْكَلِمَةُ بَاقِيَةٌ فِيهِ، وَالظَّالِمُ لِنَفَسِهِ الْمُبِينُ مِنْهُمْ لَيْسَ كَذَلِكَ.
وَقَوْلُهُ - تَعَالَى - فِي «النِّسَاءِ» : فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا.
وَقَدْ بَيَّنَ - تَعَالَى - فِي «الْحَدِيدِ» أَنَّ غَيْرَ الْمُهْتَدِينَ مِنْهُمْ كَثِيرُونَ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [٥٧ \ ٢٦] .
وَقَوْلُهُ - تَعَالَى - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ أَيْ جَعَلَ الْكَلِمَةَ بَاقِيَةً فِيهِمْ; لَعَلَّ الزَّائِغَيْنِ الضَّالَّيْنِ مِنْهُمْ يَرْجِعُونَ إِلَى الْحَقِّ بِإِرْشَادِ الْمُؤْمِنِينَ الِمُهْتَدِينَ مِنْهُمْ ; لِأَنَّ الْحَقَّ مَا دَامَ قَائِمًا فِي جُمْلَتِهِمْ فَرُجُوعُ الزَّائِغَيْنِ عَنْهُ إِلَيْهِ مَرْجُوٌّ مَأْمُولٌ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ.
وَالرَّجَاءُ الْمَذْكُورُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى بَنِي آدَمَ ; لِأَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ مَنْ يَصِيرُ إِلَى الْهُدَى، وَمَنْ يَصِيرُ إِلَى الضَّلَالِ.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، وَفِي الْكَلَامِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ.
وَالْمَعْنَى (فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ) ، (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) ، (وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) ، أَيْ قَالَ لَهُمْ، يَتُوبُونَ عَنْ عِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ. اهـ مِنْهُ.
وَإِيضَاحُ كَلَامِهِ أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ إِبْرَاهِيمَ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ: (إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ) لِأَجْلِ أَنْ يَرْجِعُوا عَنِ الْكُفْرِ إِلَى الْحَقِّ.
وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) عَلَى هَذَا رَاجِعٌ إِلَى أَبِيهِ وَقَوْمِهِ.