للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ الْآيَةَ [٣٣ \ ٥٥] .

فَلَفْظُ الْبَنَاتِ وَالْأَبْنَاءِ فِي جَمِيعِ الْآيَاتِ الْمَذْكُورَةِ شَامِلٌ لِجَمِيعِ أَوْلَادِ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ وَإِنْ سَفُلُوا، وَإِنَّمَا شَمِلَهُمْ مِنَ الْجِهَةِ الْمَذْكُورَةِ بِالِاعْتِبَارِ الْمَذْكُورِ، وَهُوَ إِطْلَاقُ لَفْظِ الِابْنِ عَلَى كُلِّ مَنْ خَرَجَ مِنَ الشَّخْصِ فِي الْجُمْلَةِ، وَلَوْ بِوَاسِطَةِ بَنَاتِهِ.

وَأَمَّا الْبَيْتُ الْمَذْكُورُ فَالْمُرَادُ بِهِ الْجِهَةُ الْأُولَى وَالِاعْتِبَارُ الْأَوَّلُ.

فَإِنَّ بَنِي الْبَنَاتِ لَيْسُوا أَبْنَاءً لِآبَاءِ أُمَّهَاتِهِمْ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ، وَلَا بِذَلِكَ الِاعْتِبَارِ ; لِأَنَّهُمْ لَمْ يُخْلَقُوا مِنْ مَائِهِمْ، وَإِنَّمَا خُلِقُوا مِنْ مَاءِ رِجَالٍ آخَرِينَ، رُبَّمَا كَانُوا أَبَاعِدَ، وَرُبَّمَا كَانُوا أَعْدَاءً.

فَصَحَّ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ نَفْيُ الْبُنُوَّةِ عَنِ ابْنِ الْبِنْتِ.

وَصَحَّ بِالِاعْتِبَارِ الْأَوَّلِ إِثْبَاتُ الْبُنُوَّةِ لَهُ، وَلَا تَنَاقُضَ مَعَ انْفِكَاكِ الْجِهَةِ.

وَإِذَا عَرَفْتَ مَعْنَى الْجِهَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ وَأَنَّهُ بِالنَّظَرِ إِلَى إِحْدَاهُمَا تَثْبُتُ الْبُنُوَّةُ لِابْنِ الْبِنْتِ، وَبِالنَّظَرِ إِلَى الْأُخْرَى تَنْتَفِي عَنْهُ.

فَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ» ، وَقَوْلَهُ - تَعَالَى -: وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ [٤ \ ٢٣] . وَنَحْوَهَا مِنَ الْآيَاتِ يَنْزِلُ عَلَى إِحْدَى الْجِهَتَيْنِ.

وَقَوْلَهُ - تَعَالَى -: مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ [٣٣ \ ٤٠]- يَتَنَزَّلُ عَلَى الْجِهَةِ الْأُخْرَى. وَتِلْكَ الْجِهَةُ هِيَ الَّتِي يَعْنِي الشَّاعِرُ بِقَوْلِهِ: وَبَنَاتُنَا بَنُوهُنَّ أَبْنَاءُ الرِّجَالِ الْأَبَاعِدِ

وَيَزِيدُ ذَلِكَ إِيضَاحًا أَنَّ قَبَائِلَ الْعَرَبِ قَدْ تَكُونُ بَيْنَهُمْ حُرُوبٌ وَمُقَاتَلَاتٌ، فَيَكُونُ ذَلِكَ الْقِتَالُ بَيْنَ أَعْمَامِ الرَّجُلِ وَأَخْوَالِهِ، فَيَكُونُ مَعَ عُصْبَتِهِ دَائِمًا عَلَى أَخْوَالِهِ، كَمَا فِي الْبَيْتِ الْمَذْكُورِ.

وَقَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ مِنْهُمْ فِي أَخْوَالِهِ فَيُعَامِلُونَهُ مُعَامَلَةً دُونَ مُعَامَلَتِهِمْ لِأَبْنَائِهِمْ.

كَمَا أَوْضَحَ ذَلِكَ غَسَّانُ بْنُ وَعْلَةَ فِي شِعْرِهِ حَيْثُ يَقُولُ:

إِذَا كُنْتَ فِي سَعْدٍ وَأُمُّكَ مِنْهُمُ شَطِيرًا ... فَلَا يَغْرُرْكَ خَالُكَ مِنْ سَعْدُُِ

<<  <  ج: ص:  >  >>