فَعَلَى قِرَاءَةِ الْكَسْرِ فَمَعْنَى (يَصِدُّونَ) يَضِجُّونَ وَيَصِيحُونَ، وَقِيلَ: يَضْحَكُونَ، وَقِيلَ: مَعْنَى الْقِرَاءَتَيْنِ وَاحِدٌ، كَيَعْرُشُونَ وَيَعْرِشُونَ، وَيَعْكُفُونَ وَيَعْكِفُونَ.
وَعَلَى قِرَاءَةِ الضَّمِّ فَهُوَ مِنَ الصُّدُودِ، وَالْفَاعِلُ الْمَحْذُوفُ فِي قَوْلِهِ: (ضُرِبَ) قَالَ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزِّبْعَرَى السَّهْمِيُّ قَبْلَ إِسْلَامِهِ.
أَيْ وَلَمَّا ضَرَبَ ابْنُ الزِّبَعْرَى الْمَذْكُورُ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ فَاجَأَكَ قَوْمُكَ بِالضَّجِيجِ وَالصِّيَاحِ وَالضَّحِكِ، فَرَحًا مِنْهُمْ وَزَعْمًا مِنْهُمْ أَنَّ ابْنَ الزِّبَعْرَى خَصْمُكَ، أَوْ فَاجَأَكَ صُدُودُهُمْ عَنِ الْإِيمَانِ بِسَبَبِ ذَلِكَ الْمَثَلِ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ لَفْظَةَ (مِنْ) هُنَا سَبَبِيَّةٌ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ أَهْلَ الْعَرَبِيَّةِ يَذْكُرُونَ أَنَّ مِنْ مَعَانِي (مِنْ) السَّبَبِيَّةَ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ - تَعَالَى -: مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا [٧١ \ ٢٥] . أَيْ بِسَبَبِ خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا.
وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الْحَالِفِينَ فِي أَيْمَانِ الْقَسَامَةِ: أُقْسِمَ بِاللَّهِ لَمِنْ ضَرْبِهِ مَاتَ.
وَإِيضَاحُ مَعْنَى ضَرَبَ ابْنُ الزِّبَعْرَى عِيسَى مَثَلًا - أَنَّ اللَّهَ لَمَّا أَنْزَلَ قَوْلَهُ - تَعَالَى -: إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ [٢١ \ ٩٨] قَالَ ابْنُ الزِّبَعْرَى: إِنَّ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: إِنَّ كُلَّ مَعْبُودٍ مِنْ دُونِ اللَّهِ فِي النَّارِ، وَإِنَّنَا وَأَصْنَامَنَا جَمِيعًا فِي النَّارِ، وَهَذَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَدْ عَبَدَهُ النَّصَارَى مِنْ دُونِ اللَّهِ، فَإِنْ كَانَ ابْنُ مَرْيَمَ مَعَ النَّصَارَى الَّذِينَ عَبَدُوهُ فِي النَّارِ فَقَدْ رَضِينَا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ وَآلِهَتُنَا مَعَهُ.
وَقَالُوا مِثْلَ ذَلِكَ فِي عُزَيْرٍ وَالْمَلَائِكَةِ ; لِأَنَّ عُزَيْرًا عَبَدَهُ الْيَهُودُ، وَالْمَلَائِكَةَ عَبَدَهُمْ بَعْضُ الْعَرَبِ.
فَاتَّضَحَ أَنَّ ضَرْبَهُ عِيسَى مَثَلًا، يَعْنِي أَنَّهُ عَلَى مَا يَزْعُمُ أَنْ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَهُ، مِنْ أَنَّ كُلَّ مَعْبُودٍ وَعَابِدِهِ فِي النَّارِ، يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ عِيسَى مَثَلًا لِأَصْنَامِهِمْ، فِي كَوْنِ الْجَمِيعِ فِي النَّارِ، مَعَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُثْنِي عَلَى عِيسَى الثَّنَاءَ الْجَمِيلَ، وَيُبَيِّنُ لِلنَّاسِ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ.
فَزَعَمَ ابْنُ الزِّبَعْرَى أَنَّ كَلَامَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا اقْتَضَى مُسَاوَاةَ الْأَصْنَامِ مَعَ عِيسَى فِي دُخُولِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute