فَمِنْ ذَلِكَ الْإِيمَانُ وَالتَّقْوَى، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - فِي سُورَةِ «يُونُسَ» : أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [١٠ \ ٦٢ - ٦٣] .
وَمِنْ ذَلِكَ الِاسْتِقَامَةُ، وَقَوْلُهُمْ: رَبُّنَا اللَّهُ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ فِي «فُصِّلَتْ» : إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا [٤١] . وَقَوْلِهِ - تَعَالَى - فِي «الْأَحْقَافِ» : إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [٤٦ \ ١٣] . إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
وَالْخَوْفُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ: الْغَمُّ مِنْ أَمْرٍ مُسْتَقْبَلٍ.
وَالْحَزَنُ: الْغَمُّ مِنْ أَمْرٍ مَاضٍ.
وَرُبَّمَا اسْتُعْمِلَ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي مَوْضِعِ الْآخَرِ.
وَإِطْلَاقُ الْخَوْفِ عَلَى الْغَمِّ أُسْلُوبٌ عَرَبِيٌّ مَعْرُوفٌ.
قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: وَمِنْهُ قَوْلُهُ - تَعَالَى -: إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ [٢ \ ٢٢٩] .
قَالَ مَعْنَاهُ: إِلَّا أَنْ يَعْلَمَا.
وَمِنْهُ قَوْلُ أَبِي مِحْجَنٍ الثَّقَفِيِّ:
إِذَا مِتُّ فَادْفِنِّي إِلَى جَنْبِ كَرْمَةٍ ... تُرَوِّي عِظَامِي فِي الْمَمَاتِ عُرُوقُهَا
وَلَا تَدْفِنَنِّي فِي الْفَلَاةِ فَإِنَّنِي ... أَخَافُ إِذَا مَا مِتُّ أَلَّا أَذُوقَهَا
فَقَوْلُهُ: أَخَافُ، أَيْ أَعْلَمُ لِأَنَّهُ لَا يَشُكُّ فِي أَنَّهُ لَا يَشْرَبُهَا بَعْدَ مَوْتِهِ.
وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ ظَاهِرُهُ الْمُغَايِرَةُ بَيْنَ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ.
وَقَدْ دَلَّتْ بَعْضُ الْآيَاتِ عَلَى اتِّحَادِهِمَا كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ [٥١ \ ٣٥ - ٣٦] .
وَلَا مُنَافَاةَ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ الْإِيمَانَ يُطْلَقُ تَارَةً عَلَى جَمِيعِ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ مِنَ الِاعْتِقَادِ وَالْعَمَلِ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ فِي حَدِيثِ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ، وَالْأَحَادِيثُ بِمِثْلِ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ جِدًّا.