للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ [٤٧ \ ٤٨ - ٥٠] . فَقَوْلُهُ - تَعَالَى -: وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ كَقَوْلِهِ هُنَا: وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ.

وَقَدْ كَرَّرَ - تَعَالَى - وَعِيدَ الْمُكَذِّبِينَ بِالْوَيْلِ فِي سُورَةِ «الْمُرْسَلَاتِ» كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ، وَقَوْلُهُ فِي آخِرِ «الْمُرْسَلَاتِ» : فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ كَقَوْلِهِ هُنَا فِي «الْجَاثِيَةِ» : فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ.

وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْإِيمَانَ بِاللَّهِ عَلَى الْوَجْهِ الصَّحِيحِ يَسْتَلْزِمُ الْإِيمَانَ بِآيَاتِهِ، وَأَنَّ الْإِيمَانَ بِآيَاتِهِ كَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ الْإِيمَانَ بِهِ - تَعَالَى - وَقَوْلَهُ - تَعَالَى - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ يَسْمَعُ الْقُرْآنَ يُتْلَى، ثُمَّ يُصِرُّ عَلَى الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي فِي حَالَةِ كَوْنِهِ مُتَكَبِّرًا عَنِ الِانْقِيَادِ إِلَى الْحَقِّ الَّذِي تَضَمَّنَتْهُ آيَاتُ الْقُرْآنِ كَأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ آيَاتِ اللَّهِ، لَهُ الْبِشَارَةُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالْعَذَابِ الْأَلِيمِ، وَهُوَ الْخُلُودُ فِي النَّارِ، وَمَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ جَاءَ مُوَضَّحًا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى - فِي «لُقْمَانَ» : وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ [٣١ \ ٧] . وَقَوْلِهِ - تَعَالَى - فِي «الْحَجِّ» : وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [٢٢ \ ٧٢] . وَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ [٤٧ \ ١٦] . فَقَوْلُهُ - تَعَالَى - عَنْهُمْ: مَاذَا قَالَ آنِفًا - يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ مَا كَانُوا يُبَالُونَ بِمَا يَتْلُو عَلَيْهِمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْآيَاتِ وَالْهُدَى.

وَقَدْ ذَكَرْنَا كَثِيرًا مِنَ الْآيَاتِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهَذَا الْمَبْحَثِ فِي سُورَةِ «فُصِّلَتْ» فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ - تَعَالَى -: فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ [٤١ \ ٤ - ٥] .

وَقَوْلُهُ - تَعَالَى - فِي هَذِهِ الْآيَةِ: كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا خُفِّفَتْ فِيهِ لَفْظَةُ (كَأَنْ) ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ كَأَنَّ إِذَا خُفِّفَتْ كَانَ اسْمُهَا مُقَدَّرًا، وَهُوَ ضَمِيرُ الشَّأْنِ، وَالْجُمْلَةُ خَبَرُهَا، كَمَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>