للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ [١٠ \ ٤] .

وَلَمَّا ظَنَّ الْكُفَّارُ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا، لَا لِحِكْمَةِ تَكْلِيفٍ وَحِسَابٍ وَجَزَاءٍ - هَدَّدَهُمْ بِالْوَيْلِ مِنَ النَّارِ بِسَبَبِ ذَلِكَ الظَّنِّ السَّيِّئِ، فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى -: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ [٣٨ \ ٢٧] .

وَقَدْ نَزَّهَ - تَعَالَى - نَفْسَهُ عَنْ كَوْنِهِ خَلَقَ الْخَلْقَ عَبَثًا، لَا لِتَكْلِيفٍ وَحِسَابٍ وَجَزَاءٍ، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ ظَنَّهُ، فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى -: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ [٢٣ \ ١١٥ - ١١٦] .

فَقَوْلُهُ: (فَتَعَالَى اللَّهُ) أَيْ تَنَزَّهَ وَتَعَاظَمَ وَتَقَدَّسَ عَنْ أَنْ يَكُونَ خَلَقَهُمْ لَا لِحِكْمَةِ تَكْلِيفٍ وَبَعْثٍ، وَحِسَابٍ وَجَزَاءٍ.

وَهَذَا الَّذِي نَزَّهَ - تَعَالَى - عَنْهُ نَفْسَهُ - نَزَّهَهُ عَنْهُ أُولُو الْأَلْبَابِ، كَمَا قَالَ - تَعَالَى -: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ إِلَى قَوْلِهِ: رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [٣ \ ١٩٠ - ١٩١] . فَقَوْلُهُ عَنْهُمْ: سُبْحَانَكَ أَيْ تَنْزِيهًا لَكَ عَنْ أَنْ تَكُونَ خَلَقْتَ هَذَا الْخَلْقَ بَاطِلًا، لَا لِحِكْمَةِ تَكْلِيفٍ وَبَعْثٍ، وَحِسَابٍ وَجَزَاءٍ.

وَقَوْلُهُ - جَلَّ وَعَلَا - فِي آيَةِ «الْأَحْقَافِ» هَذِهِ: مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ - يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَمْ يَخْلُقْ ذَلِكَ بَاطِلًا، وَلَا لَعِبًا وَلَا عَبَثًا.

وَهَذَا الْمَفْهُومُ جَاءَ مُوَضَّحًا فِي آيَاتٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا الْآيَةَ [٣٨ \ ٢٧] . وَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا [٣ \ ١٩١] . وَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ [٤٤ \ ٣٨ - ٣٩] .

وَقَوْلُهُ - تَعَالَى - فِي آيَةِ «الْأَحْقَافِ» هَذِهِ: وَأَجَلٍ مُسَمًّى مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: بِالْحَقِّ أَيْ مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا خَلْقًا مُتَلَبِّسًا بِالْحَقِّ، وَبِتَقْدِيرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>