للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

آنِفًا مَا نَصُّهُ: يَعْنِي أَنَّ غَيْرَ الْمُجْتَهِدِ يُحْظَلُ لَهُ، أَيْ يُمْنَعُ أَنْ يَعْمَلَ بِمَعْنَى نَصٍّ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ وَإِنْ صَحَّ سَنَدُهَا لِاحْتِمَالِ عَوَارِضِهِ مِنْ نَسْخٍ وَتَقْيِيدٍ، وَتَخْصِيصٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْعَوَارِضِ الَّتِي لَا يَضْبُطُهَا إِلَّا الْمُجْتَهِدُ، فَلَا يُخَلِّصُهُ مِنَ اللَّهِ إِلَّا تَقْلِيدُ مُجْتَهِدٍ، قَالَهُ الْقَرَافِيُّ. انْتَهَى مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْهُ بِلَفْظِهِ.

وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَا مُسْتَنَدَ لَهُ، وَلَا لِلْقَرَافِيُّ الَّذِي تَبِعَهُ فِي مَنْعِ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ غَيْرِ الْمُجْتَهِدِينَ مِنَ الْعَمَلِ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، إِلَّا مُطْلَقَ احْتِمَالِ الْعَوَارِضِ، الَّتِي تَعْرِضُ لِنُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، مِنْ نَسْخٍ أَوْ تَخْصِيصٍ أَوْ تَقْيِيدٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَهُوَ مَرْدُودٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:

الْأَوَّلُ: أَنَّ الْأَصْلَ السَّلَامَةُ مِنَ النَّسْخِ حَتَّى يَثْبُتَ وُرُودُ النَّاسِخِ، وَالْعَامُّ ظَاهِرٌ فِي الْعُمُومِ حَتَّى يَثْبُتَ وُرُودُ الْمُخَصِّصِ، وَالْمُطْلَقُ ظَاهِرٌ فِي الْإِطْلَاقِ حَتَّى يَثْبُتَ وُرُودُ الْمُقَيِّدِ، وَالنَّصُّ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ حَتَّى يَثْبُتَ النُّسَخُ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ، وَالظَّاهِرُ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ عُمُومًا كَانَ أَوْ إِطْلَاقًا أَوْ غَيْرَهُمَا حَتَّى يَرِدَ دَلِيلٌ صَارِفٌ عَنْهُ إِلَى الْمُحْتَمَلِ الْمَرْجُوحِ، كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي مَحَلِّهِ.

وَأَوَّلُ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِالْعَامِّ حَتَّى يُبْحَثَ عَنِ الْمُخَصَّصِ فَلَا يُوجَدُ، وَنَحْوَ ذَلِكَ - أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ، وَتَبِعَهُ جَمَاعَاتٌ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ، حَتَّى حَكَمُوا عَلَى ذَلِكَ الْإِجْمَاعِ حِكَايَةً لَا أَسَاسَ لَهَا.

وَقَدْ أَوْضَحَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْعَبَّادِيُّ فِي الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ غَلَطَهُمْ فِي ذَلِكَ، فِي كَلَامِهِ عَلَى شَرْحِ الْمَحَلِّ لِقَوْلِ ابْنِ السُّبْكِيِّ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ، وَيُتَمَسَّكُ بِالْعَامِّ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ الْبَحْثِ عَنِ الْمُخَصِّصِ، وَكَذَا بَعْدَ الْوَفَاةِ، خِلَافًا لِابْنِ سُرَيْجٍ اهـ.

وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَظَوَاهِرُ النُّصُوصِ مِنْ عُمُومٍ وَإِطْلَاقٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، لَا يَجُوزُ تَرْكُهَا إِلَّا لِدَلِيلٍ يَجِبُ الرُّجُوعُ إِلَيْهِ، مِنْ مُخَصِّصٍ أَوْ مُقَيِّدٍ، لَا لِمُجَرَّدِ مُطْلَقِ الِاحْتِمَالِ، كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ فِي مَحَلِّهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>