للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ هُنَا: وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَقَوْلِهِ: وَاللَّهُ مَعَكُمْ أَيْ بِالنَّصْرِ وَالْإِعَانَةِ وَالثَّوَابِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ آيَةَ الْقِتَالِ هَذِهِ لَا تَعَارُضَ بَيْنِهَا وَبَيْنَ آيَةِ الْأَنْفَالِ حَتَّى يُقَالَ إِنَّ إِحْدَاهُمَا نَاسِخَةٌ لِلْأُخْرَى، بَلْ هُمَا مُحْكَمَتَانِ، وَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مُنَزَّلَةٌ عَلَى حَالٍ غَيْرِ الْحَالِ الَّتِي نَزَلَتْ عَلَيْهِ الْأُخْرَى.

فَالنَّهْيُ فِي آيَةِ الْقِتَالِ هَذِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ إِنَّمَا هُوَ عَنِ الِابْتِدَاءِ بِطَلَبِ السَّلْمِ.

وَالْأَمْرُ بِالْجُنُوحِ إِلَى السَّلْمِ فِي آيَةِ الْأَنْفَالِ مَحَلُّهُ فِيمَا إِذَا ابْتَدَأَ الْكَفَّارُ بِطَلَبِ السَّلْمِ وَالْجُنُوحِ لَهَا، كَمَا هُوَ صَرِيحُ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ الْآيَةَ [٨ \ ٦١] .

وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَاللَّهُ مَعَكُمْ قَدْ قَدَّمَنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لَهُ فِي آخِرِ سُورَةِ النَّحْلِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ [١٦ \ ١٢٨] ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا فِي مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ أَوْلَى وَأَصْوَبُ مِمَّا فَسَّرَهَا بِهِ ابْنُ كَثِيرَ رَحِمَهُ اللَّهُ.

وَهُوَ أَنَّ الْمَعْنَى: لَا تَدْعُوا إِلَى الصُّلْحِ وَالْمُهَادَنَةِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ أَيْ فِي حَالِ قُوَّتِكُمْ وَقُدْرَتِكُمْ عَلَى الْجِهَادِ، أَيْ: وَإِمَّا إِنْ كُنْتُمْ فِي ضَعْفٍ وَعَدَمِ قُوَّةٍ فَلَا مَانِعَ مِنْ أَنْ تَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ أَيِ الصُّلْحِ وَالْمُهَادَنَةِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْعَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ السُّلَمِيِّ:

السَّلْمُ تَأْخُذُ مِنْهَا مَا رَضِيتَ بِهِ ... وَالْحَرْبُ تَكْفِيكَ مِنْ أَنْفَاسِهَا جُرَعُ

وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ أَيْ لَنْ يُنْقِصَكُمْ شَيْئًا مِنْ ثَوَابِ أَعْمَالِكُمْ.

وَهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ مِنْ عَدَمِ نَقْصِهِ تَعَالَى شَيْئًا مِنْ ثَوَابِ الْأَعْمَالِ جَاءَ مُوَضَّحًا فِي آيَاتٍ أُخَرَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا [٤٩ \ ١٤] ، أَيْ لَا يُنْقِصُكُمْ مِنْ ثَوَابِهَا شَيْئًا.

وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ [٢١ \ ٤٧] .

<<  <  ج: ص:  >  >>