للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَهَذِهِ الْمَذْكُورَاتُ الَّتِي هِيَ هَدْيُ النَّاسِ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، وَإِرْسَالُ الرِّيَاحِ بُشْرًا، أَيْ مُبَشِّرَاتٍ، بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ الَّتِي هِيَ الْمَطَرُ - مِنْ خَصَائِصِ رُبُوبِيَّتِهِ - جَلَّ وَعَلَا.

وَلِذَا قَالَ تَعَالَى: أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ، ثُمَّ نَزَّهَ - جَلَّ وَعَلَا - نَفْسَهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ إِلَهٌ يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِمَّا ذَكَرَ فَقَالَ - جَلَّ وَعَلَا: تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [٢٧ \ ٦٤] .

فَهَذِهِ الْمَذْكُورَاتُ الَّتِي هِيَ بَدْءُ خَلْقِ النَّاسِ وَإِعَادَتُهُ يَوْمَ الْبَعْثِ، وَرِزْقُهُ لِلنَّاسِ مِنَ السَّمَاءِ بِإِنْزَالِ الْمَطَرِ، وَمِنَ الْأَرْضِ بِإِنْبَاتِ النَّبَاتِ - مِنْ خَصَائِصَ رُبُوبِيَّتِهِ - جَلَّ وَعَلَا - وَلِذَا قَالَ بَعْدَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ.

ثُمَّ عَجَّزَ - جَلَّ وَعَلَا - كُلَّ مَنْ يَدَّعِي شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ لِغَيْرِ اللَّهِ، فَقَالَ آمِرًا نَبِيَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْ يُخَاطِبَهُمْ بِصِيغَةِ التَّعْجِيزِ: قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ.

وَقَدِ اتَّضَحَ مِنْ هَذِهِ الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ أَنَّ إِجَابَةَ الْمُضْطَرِّينَ الدَّاعِينَ، وَكَشْفَ السُّوءِ عَنِ الْمَكْرُوبِينَ، مِنْ خَصَائِصِ الرُّبُوبِيَّةِ كَخَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِنْزَالِ الْمَاءِ، وَإِنْبَاتِ النَّبَاتِ، وَالْحَجْزِ بَيْنَ الْبَحْرِينِ إِلَى آخِرِ مَا ذَكَرَ.

وَكَوْنُ إِجَابَةِ الْمُضْطَرِّينَ وَكَشْفُ السُّوءِ عَنِ الْمَكْرُوبِينَ مِنْ خَصَائِصِ الرُّبُوبِيَّةِ، كَمَا أَوْضَحَهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَاتِ مِنْ سُورَةِ النَّمْلِ - جَاءَ مُوَضَّحًا فِي آيَاتٍ أُخَرَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى مُخَاطِبًا نَبِيَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ [١٠ \ ١٠٧] .

وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [٦ \ ١٧] .

وَقَوْلِهِ تَعَالَى: مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ [٣٥ \ ٢] .

فِعْلَيْنَا مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ نَتَأَمَّلَ هَذِهِ الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةَ وَنَعْتَقِدَ مَا تَضَمَّنَتْهُ وَنَعْمَلَ بِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>