للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَالَ تَعَالَى فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْمُلْكِ: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [٦٧ \ ٢] .

وَقَالَ تَعَالَى فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ: إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [١٨ \ ٧] .

فَتَصْرِيحُهُ - جَلَّ وَعَلَا - فِي هَذِهِ الْآيَاتِ الْمَذْكُورَةِ بِأَنَّ حِكْمَةَ خَلْقِهِ لِلْخَلْقِ، هِيَ ابْتِلَاؤُهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا، يُفَسِّرُ قَوْلَهُ: لِيَعْبُدُونِ. وَخَيْرُ مَا يُفَسَّرُ بِهِ الْقُرْآنُ - الْقُرْآنُ.

وَمَعْلُومٌ أَنَّ نَتِيجَةَ الْعَمَلِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ لَا تَتِمُّ إِلَّا بِجَزَاءِ الْمُحْسِنِ بِإِحْسَانِهِ وَالْمُسِيءِ بِإِسَاءَتِهِ، وَلِذَا صَرَّحَ تَعَالَى بِأَنَّ حِكْمَةَ خَلْقِهِمْ أَوَّلًا وَبَعْثِهِمْ ثَانِيًا، هُوَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِ بِإِحْسَانِهِ وَالْمُسِيءِ بِإِسَاءَتِهِ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي أَوَّلِ يُونُسَ: إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ [١٠ \ ٤] ، وَقَوْلُهُ فِي النَّجْمِ: وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى [٥٣ \ ٣١] .

وَقَدْ أَنْكَرَ تَعَالَى عَلَى الْإِنْسَانِ حُسْبَانَهُ وَظَنَّهُ أَنَّهُ يُتْرَكُ سُدًى، أَيْ مُهْمَلًا، لَمْ يُؤْمَرْ وَلَمْ يُنْهَ، وَبَيَّنَ أَنَّهُ مَا نَقَلَهُ مِنْ طَوْرٍ إِلَى طَوْرٍ حَتَّى أَوْجَدَهُ إِلَّا لِيَبْعَثَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ أَيْ وَيُجَازِيَهُ عَلَى عَمَلِهِ، قَالَ تَعَالَى: أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى إِلَى قَوْلِهِ: أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى [٧٥ \ ٣٦ - ٤٠] .

وَالْبَرَاهِينُ عَلَى الْبَعْثِ دَالَّةٌ عَلَى الْجَزَاءِ، وَقَدْ نَزَّهَ تَعَالَى نَفْسَهُ عَنْ هَذَا الظَّنِّ الَّذِي ظَنَّهُ الْكُفَّارُ بِهِ تَعَالَى، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَبْعَثُ الْخَلْقَ وَلَا يُجَازِيهِمْ مُنْكِرًا ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فِي قَوْلِهِ: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ [٢٣ \ ١١٥ - ١١٦] .

وَقَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لِهَذَا فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْأَحْقَافِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى [٤٦ \ ٣] .

تَنْبِيهٌ:

اعْلَمْ أَنَّ الْآيَاتِ الدَّالَّةَ عَلَى حِكْمَةِ خَلْقِ اللَّهِ لِلسَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَهْلِهِمَا وَمَا بَيْنَهُمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>