فَالْمَعْنَى مَا بَيْنَ الْمُلْجِمِ مُهْرِهِ وَسَافِعٍ: أَيْ آخِذٍ بِنَاصِيَتِهِ لِيُلْجِمَهُ، وَقَوْلُ نَابِغَةَ ذُبْيَانَ:
قَالَتْ أَلَا لَيْتَ مَا هَذَا الْحَمَامُ لَنَا ... إِلَى حَمَامَتِنَا أَوْ نِصْفُهُ فَقَدِ
فَحَسَبُوهُ فَأَلْفَوْهُ كَمَا زَعَمَتْ ... سِتًّا وَسِتِّينَ لَمْ تَنْقُصْ وَلَمْ تَزِدِ
فَقَوْلُهُ: أَوْ نِصْفُهُ بِمَعْنَى وَنِصْفُهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ مَعْنَى الْبَيْتَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، لِأَنَّ مُرَادَهَا أَنَّهَا تَمَنَّتْ أَنْ يَكُونَ الْحَمَامُ الْمَارُّ بِهَا هُوَ وَنِصْفُهُ مَعَهُ لَهَا مَعَ حَمَامَتِهَا الَّتِي مَعَهَا، لِيَكُونَ الْجَمِيعُ مِائَةَ حَمَامَةٍ، فَوَجَدُوهُ سِتًّا وَسِتِّينَ، وَنِصْفُهَا ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ فَيَكُونُ الْمَجْمُوعُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ، وَالْمَرْوِيُّ فِي ذَلِكَ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ:
لَيْتَ الْحَمَامَ لِيَّهْ ... إِلَى حَمَامَتِيَّهْ
وَنِصْفُهُ قَدِيَّهْ ... تَمَّ الْحَمَامُ مِايَّهْ
وَقَوْلُ تَوْبَةَ بْنِ الْحُمَيِّرِ:
قَدْ زَعَمَتْ لَيْلَى بِأَنِّي فَاجِرٌ ... لِنَفْسِي تُقَاهَا أَوْ عَلَيْهَا فُجُورُهَا
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أَجْمَعَ عَامَّةُ الْقُرَّاءِ عَلَى إِثَبَاتِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ فِي قَوْلِهِ: أَئِذَا مِتْنَا وَأَثْبَتَهَا أَيْضًا عَامَّةُ السَّبْعَةِ غَيْرَ نَافِعٍ وَالْكِسَائِيِّ فِي قَوْلِهِ: أَئِنَّا، وَقَرَأَهُ نَافِعٌ وَالْكِسَائِيُّ: «إِنَّا لَمَبْعُوثُونَ» ، بِهَمْزَةٍ وَاحِدَةٍ مَكْسُورَةٍ عَلَى الْخَبَرِ، كَمَا عَقَدَهُ صَاحِبُ الدُّرَرِ اللَّوَامِعِ فِي أَصْلِ مَقْرَأِ الْإِمَامِ نَافِعٍ بِقَوْلِهِ:
فَصْلٌ وَاسْتِفْهَامٌ إِنْ تَكَرَّرَا ... فَصَيِّرِ الثَّانِيَ مِنْهُ خَبَرَا
وَاعْكِسْهُ فِي النَّمْلِ وَفَوْقَ الرُّومِ ... . . . . . . . . . . . . إِلَخْ
وَالْقِرَاءَاتُ فِي الْهَمْزَتَيْنِ فِي أَئِذَا وَأَئِنَّا مَعْرُوفَةٌ، فَنَافِعٌ يُسَهِّلُ الْهَمْزَةَ الثَّانِيَةَ بَيْنَ بَيْنَ، وَرِوَايَةُ قَالُونَ عَنْهُ هِيَ إِدْخَالُ أَلْفٍ بَيْنَ الْهَمْزَتَيْنِ الْأُولَى الْمُحَقَّقَةِ وَالثَّانِيَةِ الْمُسَهَّلَةِ.
وَرِوَايَةُ قَالُونَ هَذِهِ عَنْ نَافِعٍ بِالتَّسْهِيلِ وَالْإِدْخَالِ مُطَابِقَةٌ لِقِرَاءَةِ أَبِي عَمْرٍو، فَأَبُو عَمْرٍو وَقَالُونُ عَنْ نَافِعٍ يُسَهِّلَانِ وَيُدْخِلَانِ، وَرِوَايَةُ وَرْشٍ عَنْ نَافِعٍ هِيَ تَسْهِيلُ الْأَخِيرَةِ مِنْهُمَا بَيْنَ بَيْنَ مِنْ غَيْرِ إِدْخَالِ أَلِفٍ. وَهَذِهِ هِيَ قِرَاءَةُ ابْنِ كَثِيرٍ وَوَرْشٍ، فَابْنُ كَثِيرٍ وَوَرْشٌ يُسَهِّلَانِ وَلَا يُدْخِلَانِ.