نُورًا، وَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِالسُّورِ الْمَذْكُورِ أَنَّهُمْ يُنَادُونَ الْمُؤْمِنِينَ: أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ، أَيْ فِي دَارِ الدُّنْيَا، كُنَّا نَشْهَدُ مَعَكُمُ الصَّلَوَاتِ وَنَسِيرُ مَعَكُمْ فِي الْغَزَوَاتِ وَنَدِينُ بِدِينِكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى، أَيْ كُنْتُمْ مَعَنَا فِي دَارِ الدُّنْيَا، وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا مِرَارًا مَعَانِيَ الْفِتْنَةِ وَإِطْلَاقَاتِهَا فِي الْقُرْآنِ، وَبَيَّنَّا أَنَّ مِنْ مَعَانِي إِطْلَاقَاتِهَا فِي الْقُرْآنِ الضَّلَالَ كَالْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي، وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا أَيْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ: أَيْ أَضْلَلْتُمُوهَا بِالنِّفَاقِ الَّذِي هُوَ كُفْرٌ بَاطِنٌ، وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ [٨ \ ٣٩] ، أَيْ لَا يَبْقَى شِرْكٌ كَمَا تَقَدَّمَ إِيضَاحُهُ، وَقَوْلُهُ: وَتَرَبَّصْتُمْ [٥٧ \ ١٤] ، التَّرَبُّصُ: الِانْتِظَارُ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُنَا تَرَبُّصُ الْمُنَافِقِينَ بِالْمُؤْمِنِينَ الدَّوَائِرَ أَيِ انْتِظَارُهُمْ بِهِمْ نَوَائِبَ الدَّهْرِ أَنْ تُهْلِكَهُمْ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي مُنَافِقِي الْأَعْرَابِ الْمَذْكُورِينَ فِي قَوْلِهِ: وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ [٩ \ ١٠١] ، وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ [٩ \ ٩٨] .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَارْتَبْتُمْ أَيْ شَكَكْتُمْ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ، وَشَكُّهُمُ الْمَذْكُورُ هُنَا وَكُفْرُهُمْ بِسَبَبِهِ بَيَّنَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ عَنْهُمْ: إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ [٩ \ ٤٥] .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ [٥٧ \ ١٤] ، الْأَمَانِيُّ جَمْعُ أُمْنِيَّةٍ، وَهِيَ مَا يُمَنُّونَ بِهِ أَنْفُسَهُمْ مِنَ الْبَاطِلِ، كَزَعْمِهِمْ أَنَّهُمْ مُصْلِحُونَ فِي نِفَاقِهِمْ، وَأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ حَقًّا سُفَهَاءُ فِي صِدْقِهِمْ، أَيْ فِي إِيمَانِهِمْ، كَمَا بَيَّنَ تَعَالَى ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ الْآيَةَ [٢ \ ١١ - ١٢] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ الْآيَةَ [٢ \ ١٣] .
وَمَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ مِنْ كَوْنِ الْأَمَانِيِّ الْمَذْكُورَةِ مِنَ الْغُرُورِ الَّذِي اغْتَرُّوا بِهِ - جَاءَ مُوَضَّحًا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ إِلَى قَوْلِهِ: وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا [٤ \ ١٢٣ - ١٢٤] .
وَقَوْلُهُ: حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ [٥٧ \ ١٤] ، الْأَظْهَرُ أَنَّهُ الْمَوْتُ لِأَنَّهُ يَنْقَطِعُ بِهِ الْعَمَلُ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ [٥٧ \ ١٤] ، هُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute