سَابِعًا: تَسْبِيحُ الْإِنْسَانِ: (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ) [١٥ \ ٩٨] ، (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) [٥٦ \ ٧٤] ، (فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا) [١٩ \ ١١] .
فَهَذَا إِسْنَادُ التَّسْبِيحِ صَرَاحَةً لِكُلِّ هَذِهِ الْعَوَالِمِ مُفَصَّلَةً وَمُبَيَّنَةً، وَاضِحَةً.
وَجَاءَ مِثْلُ التَّسْبِيحِ، وَنَظِيرُهُ وَهُوَ السُّجُودُ مُسْنَدًا لِعَوَالِمَ أُخْرَى وَهِيَ بَقِيَّةُ مَا فِي هَذَا الْكَوْنِ مِنْ أَجْنَاسٍ وَأَصْنَافٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ) [٢٢ \ ١٨] .
وَيُلَاحَظُ هُنَا أَنَّهُ تَعَالَى أَسْنَدَ السُّجُودَ أَوَّلًا لِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَ " مَنْ " هِيَ لِلْعُقَلَاءِ أَيْ: الْمَلَائِكَةُ، وَالْإِنْسُ، وَالْجِنُّ، ثُمَّ عَطَفَ عَلَى الْعُقَلَاءِ غَيْرَ الْعُقَلَاءِ بِأَسْمَائِهِنَّ مِنَ الشَّمْسِ، وَالْقَمَرِ، وَالنُّجُومِ، وَالْجِبَالِ، وَالشَّجَرِ، وَالدَّوَابِّ فَهَذَا شُمُولٌ لَمْ يَبْقَ كَائِنٌ مِنَ الْكَائِنَاتِ، وَلَا ذَرَّةٌ فِي فَلَاةٍ إِلَّا شَمَلَهُ.
وَبَعْدَ بَيَانِ هَذَا الشُّمُولِ وَالْعُمُومِ يَأْتِي مَبْحَثُ الْعَامِّ الْبَاقِي عَلَى عُمُومِهِ، وَالْعَامُّ الْمَخْصُوصُ، وَهَلْ عُمُومُ " مَا " هُنَا بَاقٍ عَلَى عُمُومِهِ أَمْ دَخَلَهُ تَخْصِيصٌ؟
قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمُ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ الْعُمُومَ بَاقٍ عَلَى عُمُومِهِ، وَإِنَّ لَفْظَ التَّسْبِيحِ مَحْمُولٌ عَلَى حَقِيقَتِهِ فِي التَّنْزِيهِ وَالتَّحْمِيدِ.
وَقَالَ قَوْمٌ: إِنَّ الْعُمُومَ بَاقٍ عَلَى عُمُومِهِ لَمْ يَدْخُلْهُ خُصُوصٌ، وَلَكِنَّ التَّسْبِيحَ يَخْتَلِفُ، وَلِكُلِّ تَسْبِيحٍ بِحَسْبِهِ فَمِنَ الْعُقَلَاءِ بِالذِّكْرِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّمْجِيدِ كَالْإِنْسَانِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ، وَمِنْ غَيْرِ الْعَاقِلِ سَوَاءٌ الْحَيَوَانُ وَالطَّيْرُ، وَالنَّبَاتُ، وَالْجَمَادُ، فَيَكُونُ بِالدَّلَالَةِ بِأَنْ يَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ، وَيَدُلَّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَالِقٌ قَادِرٌ.
وَقَالَ قَوْمٌ: قَدْ دَخَلَهُ التَّخْصِيصُ.
وَنَقَلَ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: الشَّجَرَةُ تُسَبِّحُ وَالْأُسْطُوانُ لَا يُسَبِّحُ. وَقَالَ يَزِيدُ الرَّقَاشِيُّ لِلْحَسَنِ وَهُمَا فِي طَعَامٍ وَقَدْ قُدِّمَ الْخِوَانُ: أَيُسَبِّحُ هَذَا الْخِوَانُ يَا أَبَا سَعِيدٍ؟ فَقَالَ: قَدْ كَانَ يُسَبِّحُ مَرَّةً يُرِيدُ أَنَّ التَّسْبِيحَ مِنَ الْحَيِّ، أَوِ النَّامِي سَوَاءٌ الْحَيَوَانُ، أَوِ النَّبَاتُ وَمَا عَدَاهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute