للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَعْنَى الدُّولَةِ وَالدَّوْلَةِ بِضَمِّ الدَّالِّ فِي الْأُولَى، وَفَتْحِهَا فِي الثَّانِيَةِ: يَدُورُ عِنْدَ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى مَعْنَيَيْنِ:

الدَّوْلَةُ بِالْفَتْحِ: الظُّفْرُ فِي الْحَرْبِ وَغَيْرِهِ، وَهِيَ الْمَصْدَرُ، وَبِالضَّمِّ اسْمُ الشَّيْءِ الَّذِي يُتَدَاوَلُ مِنَ الْأَمْوَالِ.

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: مَعْنَى الْآيَةِ: كَيْلَا يَكُونَ الْفَيْءُ الَّذِي حَقُّهُ أَنْ يُعْطَى الْفُقَرَاءَ، لِيَكُونَ لَهُمْ بُلْغَةً يَعِيشُونَ بِهَا جَدًّا بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ يَتَكَاثَرُونَ بِهِ، أَوْ كَيْلَا يَكُونَ دَوْلَةً جَاهِلِيَّةً بَيْنَهُمْ.

وَمَعْنَى الدَّوْلَةِ الْجَاهِلِيَّةِ: أَنَّ الرُّؤَسَاءَ مِنْهُمْ كَانُوا يَسْتَأْثِرُونَ بِالْغَنِيمَةِ؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ الرِّئَاسَةِ وَالْغَلَبَةِ وَالدَّوْلَةِ، وَكَانُوا يَقُولُونَ: مَنْ عَزَّ بَزَّ، وَالْمَعْنَى: كَيْلَا يَكُونَ أَخْذُهُ غَلَبَةً أَثَرَةً جَاهِلِيَّةً، وَمِنْهُ قَوْلُ الْحَسَنِ: اتَّخَذُوا عِبَادَ اللَّهِ خَوَلًا وَمَالَ اللَّهِ دُوَلًا، يُرِيدُ مَنْ غَلَبَ مِنْهُمْ أَخَذَهُ وَاسْتَأْثَرَ بِهِ، إِلَخْ.

وَالْجَدِيرُ بِالذِّكْرِ هُنَا: أَنَّ دُعَاةَ بَعْضِ الْمَذَاهِبِ الِاقْتِصَادِيَّةِ الْفَاسِدَةِ، يَحْتَجُّونَ بِهَذَا الْآيَةِ عَلَى مَذْهَبِهِمِ الْفَاسِدِ وَيَقُولُونَ: يَجُوزُ لِلدَّوْلَةِ أَنْ تَسْتَوْلِيَ عَلَى مَصَادِرِ الْإِنْتَاجِ وَرُءُوسِ الْأَمْوَالِ؛ لِتُعْطِيَهَا أَوْ تُشْرِكَ فِيهَا الْفُقَرَاءَ، وَمَا يُسَمُّونَهُمْ طَبَقَةَ الْعُمَّالِ، وَهَذَا عَلَى مَا فِيهِ مِنْ كَسَادٍ اقْتِصَادِيٍّ، وَفَسَادٍ اجْتِمَاعِيٍّ، قَدْ ثَبَتَ خَطَؤُهُ، وَظَهَرَ بُطْلَانُهُ مُجَانِبًا لِحَقِيقَةِ الِاسْتِدْلَالِ.

لِأَنَّ هَذَا الْمَالَ تُرِكَ لِمَرَافِقِ الْمُسْلِمِينَ الْعَامَّةِ مِنَ الْإِنْفَاقِ عَلَى الْمُجَاهِدِينَ، وَتَأْمِينِ الْغُزَاةِ فِي الْحُدُودِ وَالثُّغُورِ، وَلَيْسَ يُعْطَى لِلْأَفْرَادِ كَمَا يَقُولُونَ، ثُمَّ هُوَ أَسَاسًا مَالٌ جَاءَ غَنِيمَةً لِلْمُسْلِمِينَ، وَلَيْسَ نَتِيجَةَ كَدْحِ الْفَرْدِ وَكَسْبِهِ.

وَلَمَّا كَانَ مَالُ الْغَنِيمَةِ لَيْسَ مِلْكًا لِشَخْصٍ، وَلَا هُوَ أَيْضًا كَسْبٌ لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ، تَحَقَّقَ فِيهِ الْعُمُومُ فِي مَصْدَرِهِ، وَهُوَ الْغَنِيمَةُ، وَالْعُمُومُ فِي مَصْرِفِهِ، وَهُوَ عُمُومُ مَصَالِحِ الْأُمَّةِ، وَلَا دَخْلَ وَلَا وُجُودَ لِلْفَرْدِ فِيهِ، فَشَتَّانَ بَيْنَ هَذَا الْأَصْلِ فِي التَّشْرِيعِ وَهَذَا الْفَرْعِ فِي التَّضْلِيلِ.

وَمِنَ الْمُؤْسِفِ أَنَّهُمْ يُؤَيِّدُونَ دَعْوَاهُمْ بِإِقْحَامِ الْحَدِيثِ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثَةٍ: الْمَاءُ وَالنَّارُ وَالْكَلَأُ» ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الشَّرِكَةَ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ مَا دَامَتْ عَلَى عُمُومِهَا فَالْمَاءُ شَرِكَةٌ بَيْنَ الْجَمِيعِ مَا دَامَ فِي مَوْرِدِهِ مِنَ النَّهْرِ أَوِ الْبِئْرِ الْعَامِّ أَوِ السَّيْلِ أَوِ الْغَدِيرِ. أَمَّا إِذَا انْتَقَلَ مِنْ مَوْرِدِهِ الْعَامِّ، وَأَصْبَحَ فِي حِيَازَةٍ مَا فَلَا شَرِكَةَ لِأَحَدٍ فِيهِ مَعَ مَنْ حَازَهُ، كَمَنْ مَلَأَ إِنَاءً مِنَ النَّهْرِ أَوِ السَّيْلِ وَنَحْوِهِ، فَمَا كَانَ فِي إِنَائِهِ فَهُوَ خَاصٌّ بِهِ، وَهَذَا الْكَلَأُ

<<  <  ج: ص:  >  >>