للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[٢ \ ٢١٥] فَبَدَأَ بِالْوَالِدَيْنِ بِرًّا لَهُمَا، وَثَنَّى بِالْأَقْرَبِينَ.

وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الصَّدَقَةُ عَلَى الْقَرِيبِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ، وَعَلَى الْبَعِيدِ صَدَقَةٌ» ثُمَّ الْيَتَامَى وَهَذَا وَاجِبٌ إِنْسَانِيٌّ وَتَكَافُلٌ اجْتِمَاعِيٌّ، لِأَنَّ يَتِيمَ الْيَوْمِ مُنْفِقُ الْغَدِ، وَوَلَدَ الْأَبَوَيْنِ الْيَوْمَ قَدْ يَكُونُ يَتِيمًا غَدًا، أَيْ: أَنَّ مَنْ أَحْسَنَ إِلَى الْيَتِيمِ الْيَوْمَ قَدْ يَتْرُكُ أَيْتَامًا، فَيُحْسِنُ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ الْيَتِيمُ الَّذِي أَحْسَنْتَ إِلَيْهِ بِالْأَمْسِ، «وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ» أُمُورٌ عَامَّةٌ.

وَجَاءَ بِالْقَاعِدَةِ الْعَامَّةِ الَّتِي يُحَاسِبُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهَا وَيُجَازِي صَاحِبَهَا وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ أَيْ: مُطْلَقًا فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ [٢ \ ٢١٥] ، وَكَفَى فِي ذَلِكَ عِلْمُهُ تَعَالَى.

أَمَّا مَوْقِفُ الْمُنْفِقِ وَصُورَةُ الْإِنْفَاقِ: فَإِنَّ هَذَا هُوَ سِرُّ النَّفَقَةِ فِي الْإِسْلَامِ، وَفَلْسَفَةُ الْإِنْفَاقِ كُلُّهَا تَظْهَرُ فِي هَذَا الْجَانِبِ، مِمَّا تَمَيَّزَ بِهِ الْإِسْلَامُ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ جَمِيعِ الْأَدْيَانِ أَوِ النُّظُمِ.

لِأَنَّهُ يُرَكِّزُ عَلَى الْحِفَاظِ عَلَى شُعُورِ وَإِحْسَاسِ الْمِسْكِينِ، بِحَيْثُ لَا يُشْعِرُهُ بِجُرْحِ الْمَسْكَنَةِ، وَلَا ذِلَّةِ الْفَاقَةِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [٢ \ ٢٦٢] .

ثُمَّ فَاضَلَ بَيْنَ الْكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ وَالصَّدَقَةِ الْمُؤْذِيَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ [٢ \ ٢٦٣] يُعْطِي وَلَا يَمُنُّ بِالْعَطَاءِ.

وَأَفْهَمَ الْمُنْفِقِينَ أَنَّ الْمَنَّ وَالْأَذَى يُبْطِلُ الصَّدَقَةَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى [٢ \ ٢٦٤] لِمَا فِيهِ مِنْ جَرْحِ شُعُورِ الْمِسْكِينِ.

وَقَدْ حَثَّ عَلَى إِخْفَائِهَا إِمْعَانًا فِي الْحِفَاظِ عَلَى شُعُورِهِ وَإِحْسَاسِهِ: إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ أَيْ: مَعَ الْآدَابِ السَّابِقَةِ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [٢ \ ٢٧١] أَيْ: لَكُمْ أَنْتُمْ فِي حِفْظِ ثَوَابِهَا.

وَقَدْ جَعَلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ السَّبْعَةِ الَّذِينَ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ تَحْتَ ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ «رَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا، حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا أَنْفَقَتْ يَمِينُهُ» ، وَكَمَا قَالَ تَعَالَى: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [٢ \ ٢٧٤] .

<<  <  ج: ص:  >  >>