[٦٦ \ ٦] .
فَكَانَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ بِالتَّقْوَى يَكْفِي لِذَلِكَ وَيَشْمَلُهُ، وَيَكُونُ الْأَمْرُ بِالتَّقْوَى الثَّانِي لِمَعْنَى جَدِيدٍ، وَفِي الْآيَةِ مَا يُرْشِدُ إِلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: مَا قَدَّمَتْ، لِأَنَّ " مَا " عَامَّةٌ كَمَا قَدَّمْنَا وَصِيغَةُ " قَدَّمَتْ " عَلَى الْمَاضِي يَكُونُ الْأَمْرُ بِتَقْوَى اللَّهِ أَوَّلًا بِالنِّسْبَةِ لِمَا مَضَى وَسَبَقَ مِنْ عَمَلٍ تَقَدَّمَ بِالْفِعْلِ، وَيَكُونُ النَّظَرُ بِمَعْنَى الْمُحَاسَبَةِ وَالتَّأَمُّلِ عَلَى مَعْنَى الْحَدِيثِ: " حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا " فَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ كَثِيرٍ.
فَإِذَا مَا نَظَرَ فِي الْمَاضِي وَحَاسَبَ نَفْسَهُ، وَعَلِمَ مَا كَانَ مِنْ تَقْصِيرٍ أَوْ وُقُوعٍ فِي مَحْظُورٍ، جَاءَهُ الْأَمْرُ الثَّانِي بِتَقْوَى اللَّهِ لِمَا يَسْتَقْبِلُ مِنْ عَمَلٍ جَدِيدٍ وَمُرَاقَبَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ: وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [٢ \ ٢٣٤] ، فَلَا يَكُونُ هُنَاكَ تَكْرَارٌ، وَلَا يَكُونُ تَوْزِيعٌ، بَلْ بِحَسَبِ مَدْلُولِ عُمُومِ " مَا " وَصِيغَةُ الْمَاضِي " قَدَّمَتْ " وَالنَّظَرُ لِلْمُحَاسَبَةِ.
تَنْبِيهٌ
مَجِيءُ «قَدَّمَتْ» بِصِيغَةِ الْمَاضِي حَثٌّ عَلَى الْإِسْرَاعِ فِي الْعَمَلِ، وَعَدَمِ التَّأْخِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ إِلَّا مَا قَدَّمَ فِي الْمَاضِي، وَالْمُسْتَقْبَلُ لَيْسَ بِيَدِهِ، وَلَا يَدْرِي مَا يَكُونُ فِيهِ: وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا [٣١ \ ٣٤] ، وَكَمَا فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حُجُّوا قَبْلَ أَلَّا تَحُجُّوا» ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ [٣ \ ١٣٣] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [٥٩ \ ١٩] .
بَعْدَ الْحَثِّ عَلَى تَقْوَى اللَّهِ، وَعَلَى الِاجْتِهَادِ فِي تَقْدِيمِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ لِيَوْمِ غَدٍ جَاءَ التَّحْذِيرُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مِنَ النِّسْيَانِ وَالتَّرْكِ وَأَلَّا يَكُونَ كَالَّذِينِ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهَمْ، وَلَمْ يُبَيِّنْ هُنَا مَنْ هُمُ الَّذِينَ حَذَّرَ مِنْ أَنْ يَكُونُوا مِثْلَهُمْ فِي هَذَا النِّسْيَانِ، وَمَا هُوَ النِّسْيَانُ وَالْإِنْسَاءُ الْمَذْكُورَانِ هُنَا.
وَقَدْ نَصَّ الْقُرْآنُ عَلَى أَنَّ الَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ هُمُ الْمُنَافِقُونَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ «التَّوْبَةِ» : الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [٩ \ ٦٧] ، وَهَذَا عَيْنُ الْوَصْفِ الَّذِي وُصِفُوا بِهِ فِي سُورَةِ «الْحَشْرِ» وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَنَسِيَهُمْ أَيْ: أَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَنْسَى: لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى [٢ \ ٥٢] ، وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute