للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

خِطَابِ اللَّهِ تَعَالَى إِيَّاهَا.

فَإِذَا كَانَتِ الْجِبَالُ أَشْفَقَتْ لِمُجَرَّدِ الْعَرْضِ عَلَيْهَا فَكَيْفَ بِهَا لَوْ أُنْزِلَ عَلَيْهَا وَكُلِّفَتْ بِهِ.

وَمِنْهَا: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا تَجَلَّى لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا، وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا، وَالْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ وَصِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهِ، فَهُوَ شَاهِدٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَصًّا.

وَمِنْهَا النَّصُّ عَلَى أَنَّ بَعْضَ الْجِبَالِ الَّتِي هِيَ الْحِجَارَةُ لَيَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ [٢ \ ٧٤] .

وَقَدْ جَاءَ فِي السُّنَّةِ إِثْبَاتُ مَا يُشْبِهُ ذَلِكَ فِي جَبَلِ أُحُدٍ، حِينَمَا صَعِدَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَارْتَجَفَ بِهِمْ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اثْبُتْ أُحُدُ؛ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ، وَصِدِّيقٌ، وشَهِيدٌ» .

وَسَوَاءٌ كَانَ ارْتِجَافُهُ إِشْفَاقًا أَوْ إِجْلَالًا فَدَلَّ هَذَا كُلُّهُ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى وَإِنْ لَمْ يَنْزِلِ الْقُرْآنُ عَلَى جَبَلٍ أَنَّهُ لَوْ أَنْزَلَهُ عَلَيْهِ لَرَأَيْتَهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ.

وَبِهَذَا أَيْضًا يَتَّضِحُ أَنَّ جَوَابَ (لَوْ) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ [١٣ \ ٣١] لَكَانَ هَذَا الْقُرْآنَ أَرْجَحُ مِنْ تَقْدِيرِهِمْ لَكَفَرْتُمْ بِالرَّحْمَنِ؛ لِأَنَّ مَوْضُوعَ تَسْيِيرِ الْجِبَالِ وَخُشُوعِهَا وَتَصْدِيعِهَا وَاحِدٌ، وَهُوَ الَّذِي قَدَّمَهُ الشَّيْخُ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ - هُنَاكَ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ.

الْأَمْثَالُ: جَمْعُ مَثَلٍ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الْمَثَلِ، وَأَصْلُ الْمَثَلِ الِانْتِصَابُ، وَالْمُمَثَّلُ بِوَزْنِ اسْمِ الْمَفْعُولِ الْمُصَوَّرِ عَلَى مِثَالِ غَيْرِهِ.

قَالَ الرَّاغِبُ الْأَصْفَهَانِيُّ، يُقَالُ: مَثُلَ الشَّيْءِ إِذَا انْتَصَبَ وَتَصَوَّرَ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَمْثُلَ لَهُ الرِّجَالُ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» ، وَالتِّمْثَالُ: الشَّيْءُ الْمُصَوَّرُ، وَتَمَثَّلَ كَذَا تَصَوَّرَ قَالَ تَعَالَى: فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا [١٩ \ ١٧] .

<<  <  ج: ص:  >  >>