الْعَدَمَ لَا يَخْلُقُ شَيْئًا؛ لِأَنَّ فَاقِدَ الشَّيْءِ لَا يُعْطِيهِ، وَالْعَدَمُ لَيْسَ أَمْرًا وُجُودِيًّا حَتَّى يُمْكِنَ لَهُ أَنْ يُوجِدَ مَوْجُودًا.
أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ؟
وَهُمْ أَيْضًا يَعْلَمُونَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ لَمْ يَخْلُقُوا أَنْفُسَهُمْ، فَيَبْقَى الْمَخْلُوقُ لَابُدَّ لَهُ مِنْ خَالِقٍ، وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى: الْخَالِقُ الْبَارِئُ.
وَلَوْ قِيلَ مِنْ جَانِبِ الْمُنْكِرِ: إِنَّ مَا نُشَاهِدُهُ مِنْ وُجُودِ الْمَوْجُودِ كَالْإِنْسَانِ وَالْحَيَوَانِ وَالنَّبَاتِ يَتَوَقَّفُ وُجُودُهُ عَلَى أَسْبَابٍ نُشَاهِدُهَا، كَالْأَبَوَيْنِ لِلْحَيَوَانِ، وَكَالْحَرْثِ وَالسَّقْيِ لِلنَّبَاتِ. . . إِلَخْ، فَجَاءَ قَوْلُهُ تَعَالَى: الْمُصَوِّرُ، فَهَلِ الْأَبَوَانِ يَمْلِكَانِ تَصْوِيرَ الْجَنِينِ مِنْ جِنْسِ الذُّكُورَةِ أَوِ الْأُنُوثَةِ، أَوْ مِنْ جِنْسِ اللَّوْنِ، وَالطُّولِ وَالْقِصَرِ وَالشَّبَهِ؟
الْجَوَابُ: لَا وَكَلَّا، بَلْ ذَلِكَ لِلَّهِ وَحْدَهُ، هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ [٤٢ \ ٤٩] .
وَكَذَلِكَ فِي النَّبَاتِ تُوضَعُ الْحَبَّةُ وَتُسْقَى بِالْمَاءِ، فَالتُّرْبَةُ وَاحِدَةٌ، وَالْمَاءُ وَاحِدٌ، فَمَنِ الَّذِي يُصَوِّرُ شَكْلَ النَّبَاتِ هَذَا نَجْمٌ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، وَذَاكَ نَبْتٌ عَلَى سَاقٍ، وَهَذَا كَرْمٌ عَلَى عَرْشٍ، وَذَاكَ نَخْلٌ بَاسِقَاتٌ، فَإِذَا طَلَعَتِ الثَّمَرَةُ فِي أَوَّلِ طَوْرِهَا فَمَنِ الَّذِي يُصَوِّرُهَا فِي شَكْلِهَا، مِنِ اسْتِدَارَتِهَا أَوِ اسْتِطَالَتِهَا أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ؟ وَإِذَا تَطَوَّرَتْ إِلَى النُّضْجِ فَمَنِ الَّذِي صَوَّرَهَا فِي لَوْنِهَا الْأَحْمَرِ أَوِ الْأَصْفَرِ أَوِ الْأَسْوَدِ أَوِ الْأَخْضَرِ أَوِ الْأَبْيَضِ؟ هَلْ هِيَ التُّرْبَةُ أَوِ الْمَاءُ أَوْ هُمَا مَعًا، لَا وَكَلَّا. إِنَّهُ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ، سُبْحَانَهُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا.
وَهُنَا عَوْدٌ عَلَى بَدْءٍ يَخْتِمُ السُّورَةَ بِمَا بَدَأَتْ بِهِ مَعَ بَيَانِ مُوجِبَاتِهِ وَاسْتِحْقَاقِهِ، وَآيَاتِ وَحْدَانِيَّتِهِ، سُبْحَانَهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute