بَيَّنَهُ مَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ الْإِسْلَامَ لَيْسَ فِيهِ تَبَعِيَّةٌ، وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى، وَكُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ.
وَقَوْلُهُ: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا [٦ \ ١٥٨] ، وَقَوْلُهُ: يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ [٨٢ \ ١٩] .
وَقَدْ سَمِعْتُ مِنَ الشَّيْخِ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ - مُحَاضَرَةً فِي كَنُو بِنَيْجِيرْيَا فِي مُجْتَمَعٍ فِيهِ مَنْ يَتَعَلَّقُ بِبَعْضِ الْأَشْخَاصِ فِي اعْتِقَادَاتِهِمْ، فَعَرَضَ هَذَا الْمَوْضُوعَ، وَبَيَّنَ عَدَمَ اسْتِطَاعَةِ أَحَدٍ نَفْعَ أَحَدٍ فَكَانَ لَهَا وَقْعٌ عَظِيمُ الْأَثَرِ فِي النُّفُوسِ، وَلَعَلَّ اللَّهَ يُيَسِّرُ طَبْعَهَا مَعَ طَبْعِ جَمِيعِ مُحَاضَرَاتِهِ فِي تِلْكَ الرِّحْلَةِ الْمَيْمُونَةِ.
مَسْأَلَةٌ
جَعَلَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ هَذِهِ الْآيَةَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا بِدَلِيلِ التَّأَسِّي بِإِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَالَّذِينَ مَعَهُ، وَتَحْقِيقُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ، وَهَذِهِ الْآيَةُ وَإِنْ كَانَتْ دَالَّةً فِي الْجُمْلَةِ عَلَى أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا، إِلَّا أَنَّهَا لَيْسَتْ نَصًّا فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ.
وَقَدْ قَسَّمَ الشَّيْخُ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ - حُكْمَ الْمَسْأَلَةِ إِلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
قِسْمٌ هُوَ شَرْعٌ لَنَا قَطْعًا، وَهُوَ مَا جَاءَ فِي شَرْعِنَا أَنَّهُ شَرْعٌ لَنَا كَآيَةِ الرَّجْمِ، وَكَهَذِهِ الْآيَةِ فِي الْعَدَاوَةِ وَالْمُوَالَاةِ، وَإِمَّا لَيْسَ بِشَرْعٍ لَنَا قَطْعًا كَتَحْرِيمِ الْعَمَلِ يَوْمَ السَّبْتِ، وَتَحْرِيمِ بَعْضِ الشُّحُومِ، إِلَخْ.
وَقِسْمٌ ثَالِثٌ: وَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ، وَهُوَ مَا ذُكِرَ لَنَا فِي الْقُرْآنِ، وَلَمْ نُؤْمَرْ بِهِ وَلَمْ نَنْهَ عَنْهُ.
فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ شَرْعٌ لَنَا لِذِكْرِهِ لَنَا، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ شَرْعًا لَنَا لَمَا كَانَ لِذِكْرِهِ لَنَا فَائِدَةٌ، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ [٤٢ \ ١٣] ، وَبِهَذِهِ الْآيَةِ أَيْضًا، وَالشَّافِعِيُّ يُعَارِضُ فِي هَذَا الْقِسْمِ وَيَقُولُ: الْآيَةُ فِي الْعَقَائِدِ لَا فِي الْفُرُوعِ، وَيَسْتَدِلُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا [٥ \ ٤٨] ، وَعَلَى هَذَا التَّقْسِيمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute