للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَأَكْرَمُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَنْ يَأْتِيَهُمْ مِنْ طَرِيقِهِ هُوَ حَتَّى لَا يَكُونَ عِنَايَةَ مَنْ يَدْعُوهُمْ لِإِطْرَائِهِ. وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مُتَوَجَّهًا إِلَّا أَنَّ فِيهِ نَظَرًا؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْ جَاءَهُمْ بِأَعْظَمَ مِنْ ذَلِكَ لَمَا كَانَ مَوْضِعَ تَسَاؤُلٍ.

مِنْ مَجْمُوعِ مَا تَقَدَّمَ يَكُونُ أَصْلُ مَشْرُوعِيَّةِ الْأَذَانِ سُنَّةً ثَابِتَةً، إِمَّا أَنَّهُ كَانَ قَدْ هَمَّ أَنْ يَبْعَثَ رِجَالًا فِي الْبُيُوتِ يُنَادُوهُ، وَإِمَّا لِأَنَّهُ أَقَرَّ مَا رَأَى عَبْدُ اللَّهِ فَيَكُونُ أَصْلُ الْمَشْرُوعِيَّةِ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالتَّقْرِيرُ مِنْهُ عَلَى الْأَلْفَاظِ الَّتِي رَآهَا عَبْدُ اللَّهِ.

فَضْلُ الْأَذَانِ وَآدَابُ الْمُؤَذِّنِ

لَا شَكَّ أَنَّ الْأَذَانَ مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ، وَأَنَّ الْمُؤَذِّنَ يَشْهَدُ لَهُ مَا سَمِعَ صَوْتَهُ مِنْ حَجَرٍ وَمَدَرٍ. إِلَخْ.

وَقَدْ جَاءَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّ الْمُؤَذِّنِينَ أَطْوَلُ النَّاسِ أَعْنَاقًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .

وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَوْلَا الْخِلَافَةُ لَأَذَّنْتُ.

وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْإِمَامُ ضَامِنٌ، وَالْمُؤَذِّنٌ مُؤْتَمَنٌ، اللَّهُمَّ أَرْشِدِ الْأَئِمَّةَ، وَاغْفِرْ لِلْمُؤَذِّنِينَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ فَضَائِلِ الْأَذَانِ، فَقِيلَ: مُؤْتَمَنٌ عَلَى الْوَقْتِ، وَقِيلَ: مُؤْتَمَنٌ عَلَى عَوْرَاتِ الْبُيُوتِ عِنْدَ الْأَذَانِ، فَقَدْ حَثَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُؤَذِّنِينَ عَلَى الْوُضُوءِ لَهُ كَمَا فِي حَدِيثِ: «لَا يُنَادِي لِلصَّلَاةِ إِلَّا مُتَوَضِّئٌ» وَإِنْ كَانَ الْحَدَثُ لَا يُبْطِلُهُ اتِّفَاقًا.

وَلَمَّا كَانَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ كَانَتْ لَهُ آدَابٌ فِي حَقِّ الْمُؤَذِّنِينَ:

مِنْهَا: أَنْ يَكُونُوا مِنْ خِيَارِ النَّاسِ، كَمَا عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ: «لِيُؤَذِّنْ لَكُمْ خِيَارُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ قُرَّاؤُكُمْ» ، وَعَلَيْهِ حَذَّرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ تَوَلِّي الْفَسَقَةِ الْأَذَانَ كَمَا فِي حَدِيثِ: «الْإِمَامُ ضَامِنٌ وَالْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ» الْمُتَقَدِّمِ. فَإِنَّ فِيهِ زِيَادَةً عِنْدَ الْبَزَّارِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: لَقَدْ تَرَكْتَنَا نَتَنَافَسُ فِي الْأَذَانِ بَعْدَكَ فَقَالَ: «إِنَّهُ يَكُونُ بَعْدِي أَوْ بَعْدَكُمْ قَوْمٌ سِفْلَتُهُمْ مُؤَذِّنُوهُمْ» .

وَمِنْهَا: أَنَّهُ يُكْرَهُ التَّغَنِّي فِيهِ؛ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ وَدُعَاءٌ إِلَى أَفْضَلِ الْعِبَادَاتِ، وَقَدْ جَاءَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَجُلًا قَالَ لَهُ: إِنِّي أُحِبُّكَ فِي اللَّهِ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَكِنِّي أُبْغِضُكَ فِي اللَّهِ، فَقَالَ: وَلِمَ؟ قَالَ: لِأَنَّكَ تَتَغَنَّى فِي أَذَانِكَ.

وَفِي الْمُغْنِي لِابْنِ قُدَامَةَ: وَلَا يُعْتَدُّ بِأَذَانِ صَبِيٍّ وَلَا فَاسِقٍ، أَيْ ظَاهِرِ الْفِسْقِ، وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: لَا يُحَاكِي فِي أَذَانِهِ الْفَسَقَةَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>