وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ: عَلَى أَنَّهُ قَدِ انْدَفَعَ الْإِعْلَالُ بِالْإِرْسَالِ بِمَا فِي رِوَايَةِ الْحَاكِمِ مِنْ ذِكْرِ أَبِي مُوسَى إِلَى آخِرِهِ، أَيْ صَارَ مَوْصُولًا، كَمَا قَالَ ابْنُ حَجَرٍ سَابِقًا.
وَوَجْهُ حُجِّيَّةِ مُرْسَلِ الصَّحَابِيِّ عِنْدَهُمْ، هُوَ أَنَّ الصَّحَابِيَّ إِذَا أَرْسَلَ الْحَدِيثَ وَلَمْ يَرْفَعْهُ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاسِطَةٌ وَتِلْكَ الْوَاسِطَةُ هِيَ صَحَابِيٌّ آخَرُ وَالصَّحَابِيُّ ثِقَةٌ، فَتَكُونُ الْوَاسِطَةُ السَّاقِطَةُ ثِقَةً، فَيَصِحُّ الْحَدِيثُ، وَلِذَا ادَّعَى بَعْضُ الْأَحْنَافِ أَنَّ مُرْسَلَ الصَّحَابِيِّ حُجَّةٌ لِهَذَا السَّبَبِ، وَعَلَى هَذَا مُنَاقَشَةُ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالتَّفْسِيرِ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَبِالتَّأَمُّلِ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَعُمُومِ السِّيَاقِ يَظْهَرُ مِنْ مَجْمُوعِهِ شَهَادَةُ الْقُرْآنِ، إِلَى صِحَّةِ ذَلِكَ لِدَلَالَةِ الْإِيمَاءِ.
أَمَّا عَنِ النِّسَاءِ فَفِيهِ الْإِجْمَاعُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَيَشْهَدُ لَهُ أَنَّ الدَّعْوَةَ إِلَى السَّعْيِ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَتَرْكِ الْبَيْعِ مِنْ أَجْلِهَا، ثُمَّ الِانْتِشَارِ بَعْدَهَا فِي الْأَرْضِ وَالِابْتِغَاءِ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ بِالْعَمَلِ وَالْكَسْبِ يُشْعِرُ بِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ لِلرِّجَالِ ; لِأَنَّ الْمَرْأَةَ مَحَلُّهَا فِي بَيْتِهَا، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ [٣٣ \ ٣٣] .
وَتَقَدَّمَ لِفَضِيلَةِ وَالِدِنَا الشَّيْخِ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ - مَبْحَثٌ مُفَصَّلٌ اسْتَدَلَّ بِدَلِيلٍ قُرْآنِيٍّ عَلَى سُقُوطِ الْجُمُعَةِ عَنِ النِّسَاءِ، وَذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ [٢٤ \ ٣٦ - ٣٧] . وَبَيَّنَ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ - مَفْهُومَ (رِجَالٌ) هَلْ هُوَ مَفْهُومُ صِفَةٍ أَوْ مَفْهُومُ لَقَبٍ، وَسَاقَ عَلَاقَةِ النِّسَاءِ بِالْمَسَاجِدِ فِي الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا.
أَمَّا الْمَمْلُوكُ فَمِمَّا يَسْتَأْنِي لَهُ أَيْضًا مِنَ السِّيَاقِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَذَرُوا الْبَيْعَ، إِذِ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ ابْتِدَاءٌ لَيْسَ مِنْ حَقِّ الْعَبِيدِ إِلَّا بِإِذْنِ السَّيِّدِ. وَقَوْلُهُ: فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ، فَإِنَّ الْمَمْلُوكَ لَا يَنْتَشِرُ فِي الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِ السَّيِّدِ أَيْضًا، وَكَذَلِكَ الْمُسَافِرُ فَلَيْسَ مُشْتَغِلًا بِبَيْعٍ وَلَا مَحَلِّ اشْتِغَالٍ بِهِ، وَهُوَ مُنْتَشِرٌ فِي الْأَرْضِ بِسَفَرِهِ وَسَفَرُهُ شَاغِلٌ لَهُ، وَبِسَفَرِهِ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ وَيَجْمَعُهَا.
وَقَدْ حَكَى الشَّوْكَانِيُّ الِاتِّفَاقَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ عَلَى سُقُوطِ الْجُمُعَةِ عَنِ الْمَمْلُوكِ إِلَّا دَاوُدَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute