وَمَعْنَى ذَلِكَ كُلِّهِ أَنَّ الْعَبْدَ يَعْمَلُ لِوَجْهِ اللَّهِ وَاللَّهُ جَلَّ وَعَلَا يُعْطِيهِ ثَوَابَ ذَلِكَ الْعَمَلِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ الْآيَةَ [٦٤ \ ١٧] .
وَقَوْلِهِ: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ [٩ \ ١١١] .
وَقَوْلِهِ: فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ [٩ \ ١١١] .
وَقَوْلِهِ: هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ الْآيَةَ [٦١ \ ١٠ - ١١] ، مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى: تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ [٣٥ \ ٢٩] .
وَالْقَرْضُ الْحَسَنُ هُوَ مَا يَكُونُ مِنَ الْكَسْبِ الطَّيِّبِ خَالِصًا لِوَجْهِ اللَّهِ. اهـ.
وَمِمَّا يَشْهَدُ لِقَوْلِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مَعْنَى الْقَرْضِ الْحَسَنِ قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ [٢ \ ٢٦٤] ; لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يُنْفِقْ بِإِخْلَاصٍ لِوَجْهِ اللَّهِ، وَمَجِئُ الْحَسَنِ عَلَى الْقَرْضِ الْحَسَنِ هُنَا بَعْدَ قَضِيَّةِ الزَّوْجِيَّةِ وَالْأَوْلَادِ وَتَوَقِّي الشُّحِّ يُشْعِرُ بِأَنَّ الْإِنْفَاقَ عَلَى الْأَوْلَادِ وَالزَّوْجَةِ إِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ الْقَرْضِ الْحَسَنِ مَعَ اللَّهِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ [٢ \ ٢١٥] .
وَأَقْرَبُ الْأَقْرَبِينَ بَعْدَ الْوَالِدَيْنِ هُمُ الْأَوْلَادُ وَالزَّوْجَةُ.
وَفِي الْحَدِيثِ فِي الْحَثِّ عَلَى الْإِنْفَاقِ: «حَتَّى اللُّقْمَةَ يَضَعُهَا الرَّجُلُ فِي فِي امْرَأَتِهِ» .
وَقَوْلُهُ: وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ [٦٤ \ ١٧] .
قَالَ الشَّيْخُ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ -: شُكْرُ اللَّهِ لِعَبْدِهِ هُوَ مُجَازَاتُهُ لَهُ بِالْأَجْرِ الْجَزِيلِ عَلَى الْعَمَلِ الْقَلِيلِ.
وَقَوْلُهُ: حَلِيمٌ، أَيْ: لَا يُعَجِّلُ بِالْعُقُوبَةِ بَلْ يَسْتُرُ وَيَتَجَاوَزُ عَنْ ذُنُوبٍ. وَمَجِئُ هَذَا التَّذْيِيلِ هُنَا يُشْعِرُ بِالتَّوْجِيهِ فِي بَعْضِ نَوَاحِي إِصْلَاحِ الْأُسْرَةِ، وَهُوَ أَنْ يَقْبَلَ كُلٌّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ عَمَلَ الْآخَرِ بِشُكْرٍ، وَيُقَابِلُ كُلَّ إِسَاءَةٍ بِحِلْمٍ لِيَتِمَّ مَعْنَى حُسْنِ الْعِشْرَةِ، وَلِأَنَّ الْإِنْفَاقَ يَسْتَحِقُّ الْمُقَابَلَةَ بِالشُّكْرِ وَالْعَدَاوَةَ تُقَابَلُ بِالْحِلْمِ.