وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِالذَّاتِ أَشَارَ الْعَدَوِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ: بِأَنَّ وِجْهَةَ نَظَرِ مَالِكٍ هِيَ الرُّجُوعُ إِلَى أَصْلِ الْغَرَضِ مِنَ الْعِدَّةِ وَهُوَ بَرَاءَةُ الرَّحِمِ، وَالشَّهْرُ وَالنِّصْفُ لَا يَكْفِي لِلْمَرْأَةِ نَفْسِهَا أَنْ تُخْبِرَ عَنْ نَفْسِهَا عَمَّا إِذَا كَانَتْ حَامِلًا أَمْ لَا، فَأَكْمَلَ لَهَا الْمُدَّةَ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهَا.
أَمَّا الْحَيْضَتَانِ: فَفِيهِمَا بَيَانٌ لِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ. اهـ. مُلَخَّصًا.
وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْعَدَوِيُّ لَهُ أَصْلٌ مِنَ الشَّرْعِ ; لِأَنَّ ذَاتَ الْأَقْرَاءِ وَجَدْنَاهَا فِي بَعْضِ الصُّوَرِ تَعْتَدُّ بِحَيْضَةٍ، كَمَا جَاءَ النَّصُّ فِي عِدَّةِ الْمُخْتَلِعَةِ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا خِلَافٌ، وَوَجَدْنَا الْأَمَةَ تَثْبُتُ بَرَاءَةُ رَحِمِهَا فِي غَيْرِ هَذَا بِحَيْضَتَيْنِ قَطْعًا، وَهِيَ فِيمَا إِذَا كَانَتْ سُرِّيَّةً لِمَالِكِهَا فَأَرَادَ بَيْعَهَا فَإِنَّهُ يَسْتَبْرِئُهَا بِحَيْضَةٍ، وَالَّذِي يَشْتَرِيهَا يَسْتَبْرِئُهَا بِحَيْضَةٍ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا، ثُمَّ هُوَ يَفْتَرِشُهَا وَيَأْمَنُ مِنْ أَنْ يَسْقِيَ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ، فَعَلِمْنَا أَنَّ فِي الْحَيْضَتَيْنِ بَرَاءَةً لِلرَّحِمِ، فَاكْتَفَى بِهِمَا مَالِكٌ وَوَافَقَ الْجُمْهُورَ.
وَأَمَّا الشَّهْرُ وَالنِّصْفُ فَإِنَّهُمَا لَا يُمْكِنُ أَنْ تَتَبَيَّنَ الْمَرْأَةُ فِيهِمَا حَمْلًا ; لِأَنَّهَا مُدَّةُ الْأَرْبَعِينَ الْأُولَى وَهِيَ مَرْحَلَةُ النُّطْفَةِ، فَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ الْحَقَّ مَعَ مَالِكٍ، وَأَنَّ ابْنَ رُشْدٍ هُوَ الَّذِي اضْطَرَبَتْ مَقَالَتُهُ عَلَى مَالِكٍ، وَقَدْ سُقْنَا هَذَا التَّنْبِيهَ لِبَيَانِ وَاجِبِ طَالِبِ الْعِلْمِ أَمَامَ الْمَسَائِلِ الْخِلَافِيَّةِ مِنْ ضَرُورَةِ الْبَحْثِ عَنِ السَّبَبِ وَوِجْهَةِ نَظَرِ الْمُخَالِفِ وَعَدَمِ الْمُبَادَرَةِ لِلْإِنْكَارِ، لِأَنْ يَكُونَ هُوَ أَحَقُّ بِأَنْ يُنْكَرَ عَلَيْهِ وَلَا يُسَارِعَ لِرَدِّ قَوْلٍ قَدْ يَكُونُ قَوْلُهُ هُوَ أَوْلَى بِأَنْ يُرَدَّ عَلَيْهِ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ، اتَّفَقَ الْمُفَسِّرُونَ أَنَّ الْمُرَادَ لِاسْتِقْبَالِ عِدَّتِهِنَّ وَفِيهِ مَبْحَثُ الطَّلَاقِ السُّنِّيِّ وَالْبِدْعِيِّ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَامِلَ وَغَيْرَ الْمَدْخُولِ بِهَا لَا بِدْعَةَ فِي طَلَاقِهِمَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَأُلْحِقَتْ بِهِمَا الصَّغِيرَةُ، وَالطَّلَاقُ الْبِدْعِيُّ هُوَ جَمْعُ الثَّلَاثِ فِي مَرَّةٍ أَوِ الطَّلَاقُ فِي الْحَيْضَةِ أَوْ فِي طُهْرٍ مَسَّهَا فِيهِ. وَعِنْدَ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: يُفَرِّقُ الطَّلَقَاتِ عَلَى الصَّغِيرَةِ كُلَّ طَلْقَةٍ فِي شَهْرٍ وَلَا يَجْمَعُهَا، وَقَدْ طَالَ الْبَحْثُ فِي حُكْمِ الطَّلَاقِ الْبِدْعِيِّ، هَلْ يَقَعُ وَيُحْتَسَبُ عَلَى الْمُطَلِّقِ، أَمْ لَا؟
وَالْأَصْلُ فِيهِ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَبَلَّغَ ذَلِكَ عُمَرَ فَأَخْبَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا» .
وَالَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ يَعْتَدُّ بِتِلْكَ الطَّلْقَةِ، وَمَنْ خَالَفَ فِيهَا السُّنَّةَ، وَعَلَيْهِ أَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute