للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَثَلًا: ذُو خُلُقٍ عَظِيمٍ لِبَيَانِ قُوَّةِ التَّمَكُّنِ وَالِاسْتِعْلَاءِ، وَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوْقَ كُلِّ خُلُقٍ عَظِيمٍ مُتَمَكِّنٌ مِنْهُ مُسْتَعْلٍ عَلَيْهِ.

وَقَدْ أَجْمَلَ الْخُلُقَ الْعَظِيمَ هُنَا وَهُوَ مِنْ أَعَمِّ مَا امْتَدَحَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كِتَابِهِ، وَقَدْ أَرْشَدَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - إِلَى مَا بَيَّنَ هَذَا الْإِجْمَالَ حِينَمَا سُئِلَتْ عَنْ خُلُقِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي امْتُدِحَ بِهِ فَقَالَتْ: «كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ» تَعْنِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ: أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْتَمِرُ بِأَمْرِهِ وَيَنْتَهِي بِنَوَاهِيهِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [٥٩ \ ٧] .

وَكَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [١٧ \ ٩] .

وَكَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَنْ يُؤْمِنَ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ» ، فَكَانَ هُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُمْتَثِلًا لِتَعَالِيمِ الْقُرْآنِ فِي سِيرَتِهِ كُلِّهَا، وَقَدْ أَمَرَنَا بِالتَّأَسِّي بِهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، فَكَانَ مِنْ أَهَمِّ مَا يَجِبُ عَلَى الْأُمَّةِ مَعْرِفَةُ تَفْصِيلِ هَذَا الْإِجْمَالِ ; لِيَتِمَّ التَّأَسِّي الْمَطْلُوبُ.

وَقَدْ أَخَذَتْ قَضِيَّةُ الْأَخْلَاقِ عَامَّةً، وَأَخْلَاقُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاصَّةً مَحَلَّ الصَّدَارَةِ مِنْ مَبَاحِثِ الْبَاحِثِينَ، وَتَقْرِيرِ الْمُرْشِدِينَ، فَهِيَ بِالنِّسْبَةِ لِلْعُمُومِ أَسَاسُ قِوَامِ الْأُمَمِ، وَعَامِلُ الْحِفَاظِ عَلَى بَقَائِهَا، كَمَا قِيلَ:

إِنَّمَا الْأُمَمُ الْأَخْلَاقُ مَا بَقِيَتْ ... فَإِنْ هُمُ ذَهَبَتْ أَخْلَاقُهُمْ ذَهَبُوا

وَقَدْ أَجْمَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْبِعْثَةَ كُلَّهَا فِي مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا بُعِثْتُ ; لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ» .

وَقَدْ عُنِيَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ بِقَضِيَّةِ أَخْلَاقِهِ بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ، فَسَأَلُوا عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنْ ذَلِكَ فَقَالَتْ: «كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ» ، وَعُنِيَ بِهَا الْعُلَمَاءُ بِالتَّأْلِيفِ، كَالشَّمَائِلِ لِلتِّرْمِذِيِّ.

أَمَّا أَقْوَالُ الْمُفَسِّرِينَ فِي الْخُلُقِ الْعَظِيمِ الْمَعْنِيِّ هُنَا فَهِيَ عَلَى قَوْلَيْنِ، لَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا:

مِنْهَا: أَنَّهُ الدِّينُ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَالسُّدِّيُّ وَغَيْرُهُمْ.

وَالْآخَرُ قَوْلُ عَائِشَةَ: «كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ» ، وَالْقُرْآنُ وَالدِّينُ مُرْتَبِطَانِ. وَلَكِنْ لَمْ يَزَلِ الْإِجْمَالُ مَوْجُودًا. وَإِذَا رَجَعْنَا إِلَى بَعْضِ الْآيَاتِ فِي الْقُرْآنِ نَجِدُ بَعْضَ الْبَيَانِ لِمَا كَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>