للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَكَأَنَّ الْفَرْعَ الَّذِي هُوَ الْقِيمَةُ سَيَعُودُ عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ الطَّعَامُ بِالْإِبْطَالِ، فَيَبْطُلُ.

وَمِثْلُ مَا يَقُولُهُ بَعْضُ النَّاسِ الْيَوْمَ فِي الْهَدْيِ بِمِنًى مِثْلًا بِمِثْلٍ، عِلْمًا بِأَنَّ الْأَحْنَافَ لَا يُجِيزُونَ الْقِيمَةَ فِي الْهَدْيِ ; لِأَنَّ الْهَدْيَ فِيهِ جَانِبُ تَعَبُّدٍ، وَهُوَ النُّسُكُ.

وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَهُمْ أَيْضًا: إِنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ فِيهَا جَانِبُ تَعَبُّدٍ ; طُهْرَةٌ لِلصَّائِمِ، وَطُعْمَةٌ لِلْمَسَاكِينِ، كَمَا أَنَّ عَمَلِيَّةَ شِرَائِهَا وَمُكَيَّلَتِهَا وَتَقْدِيمِهَا فِيهِ إِشْعَارٌ بِهَذِهِ الْعِبَادَةِ. أَمَّا تَقْدِيمُهَا نَقْدًا فَلَا يَكُونُ فِيهَا فَرْقٌ عَنْ أَيِّ صَدَقَةٍ مِنَ الصَّدَقَاتِ، مِنْ حَيْثُ الْإِحْسَاسُ بِالْوَاجِبِ وَالشُّعُورِ بِالْإِطْعَامِ.

وَقَدْ أَطَلْنَا الْكَلَامَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ; لِأَنَّ الْقَوْلَ بِالْقِيمَةِ فِيهَا جَرَّأَ النَّاسَ عَلَى مَا هُوَ أَعْظَمُ، وَهُوَ الْقَوْلُ بِالْقِيمَةِ فِي الْهَدْيِ وَهُوَ مَا لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ حَتَّى وَلَا الْأَحْنَافُ.

بَيَانُ الْقَدْرِ الْوَاجِبِ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ

اتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ عَلَى كُلِّ شَخْصٍ عَنْ نَفْسِهِ، إِنَّمَا هُوَ صَاعٌ بِصَاعِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ جَمِيعِ الْأَصْنَافِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا.

وَخَالَفَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْقَمْحِ، فَقَالَ: نِصْفُ الصَّاعِ فَقَطْ مِنْهَا يَكْفِي. وَسَيَأْتِي بَيَانُ الرَّاجِحِ فِي ذَلِكَ. إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

ثُمَّ اخْتَلَفُوا بَعْدَ ذَلِكَ فِي مِقْدَارِ الصَّاعِ الْوَاجِبِ مِنْ حَيْثُ الْوَزْنُ. فَقَالَ الْجُمْهُورُ: هُوَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: هُوَ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ، وَخَالَفَهُ أَبُو يُوسُفَ، وَوَافَقَ الْجُمْهُورَ. مَا مِقْدَارُ الصَّاعِ، فَهُوَ فِي الْعُرْفِ الْكَيْلُ، وَهُوَ أَرْبَعُ حَفَنَاتٍ بِكَفَّيْ رَجُلٍ مُعْتَدِلِ الْكَفَّيْنِ، وَلِتَفَاوُتِ النَّاسِ فِي ذَلِكَ عَمَدَ الْعُلَمَاءُ إِلَى بَيَانِ مِقْدَارِهِ بِالْوَزْنِ.

وَقَدْ نَبَّهَ النَّوَوِيُّ أَنَّ الْمِقْدَارَ بِالْوَزْنِ تَقْرِيبِيٌّ ; لِأَنَّ الْمُكَيَّلَاتِ تَخْتَلِفُ فِي الْوَزْنِ ثِقَلًا وَخِفَّةً بِاخْتِلَافِ أَجْنَاسِهَا: كَالْعَدَسِ، وَالشَّعِيرِ مَثَلًا، وَمَا كَانَ عُرْفُهُ الْكَيْلُ لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ بِالْوَزْنِ، وَلَكِنَّهُ عَلَى سَبِيلِ التَّقْرِيبِ.

وَلِهَذَا الْمَعْنَى قَالَ صَاحِبُ الْمُغْنِي: إِنَّ مَنْ أَخْرَجَ الزَّكَاةَ بِالْوَزْنِ عَلَيْهِ أَنْ يَزِيدَ بِالْقَدْرِ الَّذِي يُعْلَمُ أَنَّهُ يُسَاوِي الْكَيْلَ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ الْمَوْزُونُ ثَقِيلًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>